عقد من الاقتصاد.. كيف كان؟

كانت العشر السنوات الفائتة ليست بهينة أبدا على الاقتصاد العالمي والعربي بصورة عامة وعلى اقتصاداتنا النامية بصورة خاصة، إذ كانت فترة عصيبة ولكنها كانت سنوات التغيير غير المتوقع، هكذا يمكننا وصفها ونحن على أعتاب انتهاء العام الحالي أي انتهاء عقد الألفية الثاني والدخول في العقد الجديد.

هذه السنوات التي تقدمت نشأ فيها ما يسمى بـ «الذكاء الاصطناعي» وكان كفيلا بتغيير دفة الاقتصاد التقليدي الكلاسيكي إلى اقتصاد التقنية، وهو اقتصاد العصر الحالي «الاقتصاد الذكي» إن جاز لنا التعبير، اليوم يمكننا أن نقول لقد انتهت كل عناوين الاقتصاد ونظرياته التقليدية، لم يعد يقتصر على تعاقدات وتعاهدات وتواقيع ثنائية واجتماعات وتصويت شعبي، بات الاقتصاد حرا طليقا ولا يمكن بحال من الأحوال تقويضه، لم تعد تنجح الحروب التجارية في كسر أسواق بعينها، لم تعد هناك سلطة أو حصار أو احتكار كما في الماضي، فهو عقاب اقتصادي جسيم، لقد بتنا منكشفين تماما ولا نحتاج لتوقيع اتفاقيات تجارة حرة أو تجارة لفتح الأسواق، لا نحتاج لتعاون لدخول سوق ما، جل المعاملات اليوم لا تحتاج لمصافحة ولا «صفقة»، إنها تحتاج لمعلومات توثيقية، كل المعاملات اليوم لا تحتاج إلى أوراق بل إلى أزرار.

يمكنني القول إن الحرية التي ينادي بها السياسيون عبر برامج التقنية لم تنجح كما نجح الاقتصاد في استخدامها، بل إن كل السياسات التي يمكن تفعيلها والأحداث التي يمكن افتعالها لتحريك اقتصاد ما، لم تعد تستحق دهاء سياسيا، إنها تحتاج لتقنية وعقول مبتكرة.

عشر سنوات ماجت بها الدول العربية وهي تثور واحدة تلو الأخرى بحثا عن الحرية، هذه العشر السنوات أهدت الاقتصاد حرية أكبر مما أهدته إياه الفعاليات الدولية والأسواق العالمية، عشر سنوات كانت كفيلة بتغيير نمط اقتصاد كان راكدا لعشرين عاما.

أزمة مالية محلية في أمريكا استطاعت أن تخترق أجواءه وأن تسبب أزمة مالية واقتصادية دولية البعض لم يستطع الخروج منها لليوم منذ بدئها في 2008، بينما الاقتصادات الواعدة التي استغلت تقنية الذكاء الاصطناعي لم تؤثر فيها حتى الحرب التجارية إلا بنسبة قليلة للغاية؛ ذلك لأن نمط الاقتصاد تغير، بينما بقيت الأسواق الكلاسيكية هي من تتأثر لليوم بمثل هذه الحروب.

لن تكون الأزمة ممكنة الحدوث اليوم بفضل هذا التغيير، بل لم يعد الاقتصاد مطيعا حتى لتنبؤات المحافل الاقتصادية وخبراء المال والأعمال والتنمية، فهو يتغير بشكل لا يمكن فهمه، تحولت فيه الأدوات واللاعبين وخرجت لنا أسواق غير مرئية هي الأسواق الإلكترونية، ومعاملات غير مسجلة هي المعاملات الإلكترونية، وخدمات غير معلومة هي الخدمات الإلكترونية.

تغيرت الخطط وفقا لهذا الذكاء الاصطناعي، وتغيرت الأنشطة وحتى بيروقراطية السياسات والمعاملات، وتغيرت الميزانية والاعتماد على البشر، وصار الطابع السريع والتفاعل السريع والنتائج السريعة سمة جيدة وسيئة في الوقت ذاته، جيدة لكونها تعطي بدائل للمضي قدما، وسيئة بسبب بطء استيعاب الناس لها.

هناء مكي – كاتبة سعودية

جريدة اليوم – الثلاثاء 24 ديسمبر 2019


Share on facebook
Share on twitter
Share on linkedin
Share on whatsapp
Share on email

أحدث​ المقالات

الشلل الرقمي وتأثيره عالمياً

أصبحت التكنولوجيا الرقمية وما يرتبط بها من وسائل التواصل الاجتماعي والهواتف الذكية والمواقع الإلكترونية جزءاً هاماً من حياتنا اليومية ولا يمكن الاستغناء عنها، فجميعنا يتفقد

تفاصيل »

الذكاء الاصطناعي.. ثورة أم تهديد؟

يُعدُّ الذَّكاءُ الاصطناعيُّ، أداةً ثوريَّةً ستُحدِثُ تحوُّلًا هائلًا في كافَّةِ المجالاتِ، خاصَّةً الصناعةَ، فخلالِ السنواتِ القليلةِ المقبلةِ سيتغيَّرُ القطاعُ الصناعيُّ بشكلٍ جذريٍّ، وستحلُّ الربوتاتُ مكانَ

تفاصيل »