الدين العالمي وهيكلة اقتصادات الدول

تعتبر قضية ارتفاع الدين العالمي لمستويات قياسية، خلال الأعوام الماضية وخاصة العام الجاري، أمراً مقلقاً وخطيراً اقتصادياً، حيث من المتوقع أن يتجاوز إجمالي الدين العالمي الـ255 تريليون دولار، بنهاية هذا العام، وهذا يتطلب تحركاً على كافة المستويات إقليمياً وعالمياً، وبصورة عاجلة.

لكن قبل الحديث تفصيلاً عن الدين العالمي، وأسباب ارتفاعه والحلول المقترحه لتجاوز هذه الأزمة الخطيرة، سوف أوضح هنا ماذا يقصد بالدين العالمي؟ وذلك حتى نتفهم القضية، لأن فهم أي قضية، يعني بأننا نسير في الطريق الصحيح لحلها.

الدين العالمي يتكون من شقين، أو ركيزتين أساسيتن، الأولى مرتبطة بديون القطاع الخاص والشركات، والثانية متعلقة بالديون الحكومية، وهما مرتبطان ببعضهما البعض، ولا يمكن حل إحداهما على حساب الأخرى، أو حل واحدة وترك الثانية معلقة.

وخطورة المشكلة ليست في ارتفاع الدين العالمي فقط، إنما في الآثار الاقتصادية السلبية، والتي تتبعها آثار اجتماعية، تؤثر سلباً على المجتمعات بمختلف دول العالم؛ لأن الاقتصاد يرتبط بشؤون الناس وحياتهم اليومية.

والغريب في قضية الدين العالمي أن أكبر عضوين لهما ثقلهما الاقتصادي بمجموعة العشرين، وهما الولايات المتحدة والصين، يشكلان أكثر من 60 في المئة من الزيادة في الدين العالمي، وفقاً لأحدث التقارير الاقتصادية العالمية.

ولعل ارتفاع الدين العالمي أقلق الكثير من الهيئات والمنظمات الاقتصادية، إضافة لعمالقة الاستثمار، من شركات وأفراد؛ مما دفع الكثير منهم للجوء للأصول الأكثر أمناً واستقراراً، كالذهب، وقد يبدو هذا حلاً مؤقتاً لهم، لكنه ليس ناجعاً، أو طويل المدى.

وارتفاع الدين العالمي لمستويات قياسية، لم يسبق لها مثيل، أقلق الاقتصاديين وهيئات ومراكز الأبحاث الاقتصادية، إقليمياً وعالمياً، وتخوفوا من تكرار الأزمة المالية العالمية، التي حدثت في عام 2008، لكن أعتقد من وجهة نظري أن هذ الأمر غير مُستبعد من خلال المعطيات والظروف.

وإذا ما تطرقنا لأبرز أسباب ارتفاع الدين العالمي، نجد في مقدمتها قيام بعض الحكومات وعلى رأسها الولايات المتحدة، بدعم بعض البنوك وكبرى الشركات، مبالغ مالية ضخمة تساعدها في هيكلتها وعدم انهيارها مالياً وكذلك استمرار الصرف على سباق التسلح.

وساهمت أيضاً سياسة خفض أسعار الفائدة التي اتبعتها بعض جهات الإقراض والتمويل أيضاً، في ارتفاع نسبة قروض القطاع الخاص؛ وهذا بدوره أدَّى لزيادة نسبة الدين العالمي لمستوى قياسي لم يحدث من قبل.

فضلاً عن ذلك فإن النمط الاستهلاكي لبعض المجتمعات خاصة النامية شجَّع مواطنيها للاقتراض من البنوك، لتغطية نفقات غير أساسية، مثل: السياحة، الترفيه، شراء سيارة حديثة، شراء أثاث، وغيره من الكماليات..

وثقافة النمط الاستهلاكي، ترسخت وللأسف، في أذهان الجيل الناشئ، الذي تعود على هذه النمط، وتغطية تكاليفه عبر الاقتراض، أو الاستدانة، وهو أمر في غاية الخطورة.

فهل يقود الدين العالمي لهيكلة اقتصادات دول العالم؟، لتقليل آثاره الاقتصادية والاجتماعية، أم يصبح ثقافة عالمية، مثله مثل ثقافة النمط الاستهلاكي، التي تؤدي للاستدانة والاقتراض؟

د. عبدالله حمد الفوزان – كاتب

جريدة الرياض – الاثنين 23 ديسمبر 2019

Share on facebook
Share on twitter
Share on linkedin
Share on whatsapp
Share on email

أحدث​ المقالات

الشلل الرقمي وتأثيره عالمياً

أصبحت التكنولوجيا الرقمية وما يرتبط بها من وسائل التواصل الاجتماعي والهواتف الذكية والمواقع الإلكترونية جزءاً هاماً من حياتنا اليومية ولا يمكن الاستغناء عنها، فجميعنا يتفقد

تفاصيل »

الذكاء الاصطناعي.. ثورة أم تهديد؟

يُعدُّ الذَّكاءُ الاصطناعيُّ، أداةً ثوريَّةً ستُحدِثُ تحوُّلًا هائلًا في كافَّةِ المجالاتِ، خاصَّةً الصناعةَ، فخلالِ السنواتِ القليلةِ المقبلةِ سيتغيَّرُ القطاعُ الصناعيُّ بشكلٍ جذريٍّ، وستحلُّ الربوتاتُ مكانَ

تفاصيل »