السمعة المالية ودور المصرف المركزي

يلعب الجهاز العظمي دوراً مهماً في جسم الإنسان، فمهمته الأساسية حمايته من المؤثرات والصدمات الخارجية، فهو درع وقائية وأساسية في قوامة الجسم ودعامته، دور الجهاز العظمي يشابه كثيرا دور «المصرف المركزي» في اقتصاد الدولة، وهو المؤسسة المسؤولة عن عملية الإشراف والمراقبة والتشريعات المالية ومهمته الأساسية هي المحافظة على سياسة نقدية مستقرة ما يساعد كثيرا على استقرار الأسواق وحماية العمليات الحيوية في الاقتصاد، التي تؤثر بصورة مباشرة أو غير مباشرة على الاستقرار الاقتصادي.

فالدور الذي يقوم به المصرف المركزي إما يؤدي إلى تعزيز كفاءة القطاع المالي، وبالتالي تعزيز الثقة أو العكس في حال تمت إساءة فهم دوره أو سلبه أدواته المستقلة إذ يعول عليه كثيرا في التنبؤ بالأزمات وإدارة المخاطرة، لذا فإن أهم أدواته هي المراقبة الدقيقة والمتنبهة والشفافية عالية الجودة، وهي بالطبع تحتاج لفريق متمرس ومحترف وكفء، والأهم أن يكون وطنيا وذا ولاء كبير لبلده، فهو يقوم بصناعة سمعة يؤسس ويعول عليها الاقتصاد برمته.

إذ يعتبر المصرف المركزي أكبر جهاز مراقبة وتشريع وتحليل وتنبؤ أي أنه يستقبل المعلومات ويستعرضها ويحللها ويبني عليها المستقبل بعد معاينة ومراقبة للوضع في الداخل والخارج، وكأنه يرسم خطط الاقتصاد ولكن بمنظور مهني بحت، لذا يحتاج لشفافية عالية ولفريق ذي صفات احترافية وأخلاقية، فهو مَنْ يسيطر على الخطط المالية وعمليات النقد ومؤسسات ومصارف مالية ويعتمد عليه في وضع إستراتيجيات لميزانية الدولة وخفض المديونيات وتعزيز الانضباط المالي ووضع خطط لإدارة المخاطر وتقييم المؤسسات بالذات المتحكمة بالسوق ووضعها المالي، إنه قادر على تقوية عمليات إدارة المال العام عبر الرصد والتحليل والتوجيه، وبالتالي يعزز ويقوي النظام والقطاع المالي في البلاد ويسيطر على مواطن الضعف ويشجع على الاستقلالية ورفع مستويات الجودة والكفاءة.

لذا فإن الدول المتقدمة تعطي استقلالية تامة لمصارفها المركزية لتدير خططها المالية وتعمل بما تخرجه من توصيات وتقييم الأوضاع في الداخل والخارج، وتحفز سبل الشفافية والحوكمة في القطاع المالي وتعزز مستوى التنافسية عبر تحسين درجات الكفاءة وقانونية تشريع نظام المساءلة والمكاشفة، وهذه المهام تقوي كثيرا وتعزز دور المصرف المركزي، الذي يكون نقطة الارتكاز والقاعدة الصلبة للاقتصاد، التي تصنع له سمعة يتكل عليها باقي القطاعات كالقطاع المالي والتجارة الخارجية، والاستثمارات، والأهم قطاع النفط وسوقه المضطربة، التي تتسم بأنها غير مستقرة وتتأُثر بعوامل عدة ما يجعل بالذات الدول المصدرة للنفط في حالة من عدم الانضباط المالي أيضا.

لذا يلعب المصرف المركزي في دولنا المصدرة للنفط دورا مهما وفي أسواقنا الأساسية وهي سوق النفط، عبر تحكمه وتمكنه من السياسات النقدية ومراقبة الأوضاع المالية، وإدارة المخاطر وعمل الخطط البديلة وخطط الطوارئ عبر تقييم الوضع بالرصد والتحليل والتوقعات الدقيقة، التي تستلزم كل ما ذكر سابقا.

من هنا تكمن أهمية صنع سمعة اقتصادية مستقبلية عبر الاهتمام بمصرف مركزي فاعل ومستقل وفريق احترافي ووطني.

هناء مكي – كاتبة سعودية

جريدة اليوم

Share on facebook
Share on twitter
Share on linkedin
Share on whatsapp
Share on email

أحدث​ المقالات

الشلل الرقمي وتأثيره عالمياً

أصبحت التكنولوجيا الرقمية وما يرتبط بها من وسائل التواصل الاجتماعي والهواتف الذكية والمواقع الإلكترونية جزءاً هاماً من حياتنا اليومية ولا يمكن الاستغناء عنها، فجميعنا يتفقد

تفاصيل »

الذكاء الاصطناعي.. ثورة أم تهديد؟

يُعدُّ الذَّكاءُ الاصطناعيُّ، أداةً ثوريَّةً ستُحدِثُ تحوُّلًا هائلًا في كافَّةِ المجالاتِ، خاصَّةً الصناعةَ، فخلالِ السنواتِ القليلةِ المقبلةِ سيتغيَّرُ القطاعُ الصناعيُّ بشكلٍ جذريٍّ، وستحلُّ الربوتاتُ مكانَ

تفاصيل »