سيرته الذاتية:
ولد مايو، إلتون في أستراليا عام 1880م، تلقى تعليمه في جامعة ادليد، حيث حصل على درجة علمية في المنطق والفلسفة. درس الطب في أدنبرة باسكتلندا، واستخدم أثناء الحرب العالمية الأولى أساليب فنية في مجال العلاج النفسي الناشئ في ذلك الوقت لعلاج الجنود من الاضطراب العصبي الذي يعرف بصدمة القذائف. وتولى في عام 1919- 1923م كرسي الأستاذية في قسم الفلسفة بجامعة كوينزلاند بأستراليا. جاء إلى الولايات المتحدة عام 1922م ليجري بحثًا صناعيًا لمؤسسة روكفلر، وفي الوقت نفسه عمل باحثًا مشاركًا لجامعة بنسلفانيا. وانضم إلى كلية الدراسات العليا لإدارة الأعمال بجامعة هارفارد عام 1926م حيث عمل أستاذًا مشاركًا في شعبة البحوث الصناعية. وأصبح رئيسًا للقسم عام 1929م حتى 1947م. توفي بسوري بإنجلترا عام 1949م.
مساهماته:
أهم مساهمات مايو في علم الإدارة والإدارة العامة يتمثل في نتائج بحثه في أهمية الإنسان، وخصوصًا العوامل الاجتماعية في العلاقات الصناعية التي وردت في أهم كتبه (The Human Problem of an Industrial Civilization, 1933). ووصف مايو أيضًا صعوبات تطوير الأساليب الفنية العلمية القابلة للتطبيق لدراسة السلوك الاجتماعي بالتفصيل. وكان مايو رائدًا في مشاريع البحوث الصناعية حيث قاد فريقًا من الباحثين في تحقيقات دراسة تجارب هاوثورن المشهورة لمدة خمس سنوات، التي أجريت في شركة ويسترن إليكتريك بهاوثورن، بالقرب من فيلاديلفيا ببنسلفانيا. واعتبرت دراسة هاوثورن أكثر دراسة شاملة، والتي حاولت بحث المواقف وردود أفعال مجموعة من العاملين تحت ظروف العمل. وقد أطلق على مايو لقب مؤسس منهجية العلاقات الإنسانية في الصناعة. وتشمل أهم أعماله مشكلات إنسان الحضارة الصناعية، والمشكلات الاجتماعية للحضارة الصناعية. وقد قام زميلاه روثلزبرغر ووليم ديكسن بتلخيص نتائج الدراسة في كتاب (Management and the Worker, 1939). وتشمل أجزاء من هذه الدراسة جمع المعلومات، وعلاقات العمال بالإدارة، والعلاقات غير الرسمية بين عمال المصنع، ولا يزال لهذه الأجزاء تأثير في حقل الإدارة. وقد كتب مايو العديد من المقالات التي كان لها أثرها الكبير مثل: “ما هي الرتابة؟”، “سوء توافق العامل الصناعي”، “النظم المتغيرة في الصناعة”، و”التفاعلات الروتينية ومشاكل التفاعلات”. ومن المهم جدًا أن نضيف أنه قد تم نشر سبعة كتب على الأقل تناولت دراسات هاوثورن صدرت من قبل باحثين مشهورين مثل روثلزبرغر ووايتهيد وليندال يورويك. وعرف مايو بقدرته على العمل وتحفيز زملائه وكان خطيبًا ومحاضرًا بارعًا. وعندما تقاعد عن العمل من هارفارد، كان قد حصل على الزمالة من الأكاديمية الأمريكية للفنون والعلوم.
وقدم مايو بناء على تحقيقات هاوثورن، مفاهيم عن الحوافز التي أثرت في العلاقات الصناعية. وقال: إن العوامل المنطقية والاقتصادية تعتبر أقل أهمية حتى في العلاقات الاقتصادية مقارنة بالأوضاع العاطفية واللا منطقية والوجدانية. وأقوى العوامل الإنسانية التي تؤثر في أوضاع العامل ووجدانه، تلك التي تنشأ نتيجة لمشاركته في المجموعات الاجتماعية. ولا تشبع الاستعدادات للعمل الحاجات الموضوعية من أجل تحقيق الهدف، والتي من أجلها يتم توجيه الجهود فقط، بل إن الاستعدادات تكون فعالة إذا أشبعت حاجات العاملين المهتمين بهذه المتطلبات الموضوعية للرضا الاجتماعي في سير العمل معاً.
وصاغ مايو مفاهيمه عن المجتمع “الراسخ” والمجتمع “التكيفي” كما يلي:
لقد غير مجتمعنا طبيعته في المائة سنة الماضية. فقد كان في السابق مجتمعًا راسخًا يكتسب فيه الناس المهارة الفنية والقدرة على التعاون بشكل بطيء معاً، وذلك من خلال العيش وفق مجموعة من التقاليد الروتينية المفروضة، ومن خلال نظام التدرب على المهن. ومن أجل ذلك المجتمع قمنا بإحلال مجتمع تكيفي، أخذ على عاتقه الاستمرار في التغيير الفني. وهذه التغييرات الفنية أعاقت الأساليب الاجتماعية الروتينية لمجموعات العاملين الرئيسة وأثارت الاستياء العميق بين أوساط العاملين. إن قدرتنا على التعاون فبما بيننا تبدو أنها آخذة في التقلص بشكل سريع.
وقد رأى مايو أننا نحتاج لتعلم مهارات اجتماعية جديدة. فإذا كانت مهاراتنا الفنية تظهر من أجل إحداث تغيير جذري مفاجئ في أساليب عملنا، فإنه يجب علينا تطوير مهارات اجتماعية متوازنة من خلال تفعيل التغييرات الاجتماعية في طرق معيشتنا حتى تلائم الوضع المتغير. ولا يمكننا أن نعيش في حالة ازدهار ونحن نضع قدمًا في القرن العشرين والأخرى في الثامن عشر. ويعتقد مايو أن المديرين رفيعي المستوى يقبلون تحمل مسئولية تدريب العاملين مهارات فنية جديدة، لكنهم لا يتحملون المسئولية نفسها لتدريب العاملين المهارات الفنية “التكيفية”. وقد أشار مايو إلى الكيفية التي جعلت هذه المسئولية الجديدة للتدريب “الاجتماعي” تثير بعض القضايا الأخلاقية والسياسية الصعبة فيما يتعلق بالمفاهيم الجديدة للسلطة ودرجة “الموافقة” على التعليمات من صاحب العمل. إن هذا التدريب الاجتماعي يعتمد من ناحية على الموقف الشخصي التعاوني للأفراد، ومن ناحية أخرى على نظام الاتصالات في المنظمة.
وقدم مايو تبصرات تاريخية بشأن قضية المشكلات الاجتماعية في الأوضاع الصناعية. ولفت انتباهه عمل إيميل دوركهايم عالم الاجتماع الفرنسي، والذي وصف كيف أحدثت الصناعات الفنية المتطورة في فرنسا خلافًا اجتماعيًا بشكل متسارع، مقلصة تعاون الفرد أو المجموعة. وقد وصف دوركهايم أهمية التكافل، ومعنى الارتباط مع الجماعة جغرافيًا واجتماعياً. وأشار مايو إلى تمزيق المجتمع الصناعي حديث الوعي الاجتماعي التقليدي قائلا: لا يوجد نظام مكافئ أو حتى دراسة عن العلاقات الشخصية أو الحقيقية، تم تطويره والذي قد يمكننا من مواجهة فترة من التغيير المتلاحق في الفهم والاتزان.
واستغرق مايو مع زملائه من أمثال روثلزبرغر والعديد من الباحثين في دراسة العاملين في مصنع هاوثورن التابع لشركة ويسترن إليكتريك. ودرسوا تأثير الإضاءة على عمال الإنتاج، ومتى تبدو نتائج الإنتاجية المتزايدة ذات صلة بعوامل أخرى، وكذلك بدونها أو بالإضافة إلى الإضاءة، وبدءوا يدركون صعوبة الحصول على نتائج مقنعة من التجارب وملاحظاتهم عن المواضيع الإنسانية. وأدركوا في النهاية تأثير تواجدهم في المصنع، ذلك بأن تقديم ملاحظاتهم للعاملين أثرت في أدائهم، وليس بالضرورة التغيير في الإضاءة أو أية متغيرات أخرى.
واكتظ كتاب المشكلات الاجتماعية للحضارة الصناعية بتبصرات من تحقيقات هاوثورن، وبكيفية ارتباط نتائج البحث تلك بالتغييرات الاجتماعية المهمة التي كانت تحدث في كل العالم في الوقت الذي كتب فيه الكتاب (1940- 1945م)، ودرس المشكلات الاقتصادية المصاحبة لعملية التصنيع المتلاحق في الأقطار الاشتراكية والمجتمعات الديمقراطية على السواء، وبحث ظاهرة التغيب عن العمل، والاستعاضة عن العمال المتخلفين عن العمل، وبين كيف أن القضايا الاجتماعية “التكيفية” تكون مسئولة أكثر عن التغيب عن العمل، أكثر من توجيه الانتباه نحو التغييرات في موازين الأجور…إلخ.
ويتميز مايو بالعديد من الأفكار الرئيسة المتكررة في عمله والتي تستحق أن يعاد صياغتها:
إن “التعريف التقريبي” للسلطة هو صفة (ترتيب) الاتصال في المنظمة الرسمية من خلال التأثير الذي تم قبوله بواسطة المساهم أو “عضو” المنظمة الذي يحكم الأداء الذي يسهم به.
وفي الصناعة الحديثة واسعة النطاق تتمثل المشكلات الثلاث الدائمة في:
- تطبيق العلم والمهارة الفنية على بعض المواد أو البضائع أو المنتج.
- الترتيب المنظم للعمليات.
- نظام فريق العمل الذي يعزز التعاون.
ذكر مايو بعض الإفادات الفلسفية عن الدور الجديد للإداري في النظام الصناعي. وكان يؤمن بأن الإداري الجديد يجب أن يفهم العوامل “الإنسانية الاجتماعية” من أجل الحصول على “تنظيم التعاون”، والتي صرح مايو بأنها تكون بشكل واضح العامل الأكثر أهمية في الإنتاجية.
ويعتبر كل من عملي مايو الرئيسين: مشكلات الانسان في الحضارة الصناعية The Human Problems of an Industrial Civilization, 1946. والمشكلات الاجتماعية للحضارة الصناعية The Social Problems of an Industrial Civilization, 1945. من الكتب والمراجع الجيدة في علم الإدارة والإدارة العامة، ويبدو أن مايو يستخدم سيكولوجية صناعية ليعلق على قضايا اجتماعية واسعة، مثل التحديث عالمي النطاق ونشوء الثقافة.
مسرد لأهم أعماله:
- Mayo, Elton G., The Social Problems of an Industrial Civilization. (Harvard Univ., Boston, Copyright, 1945).
- Mayo, Elton G., The Human Problems of an Industrial Civilization. (Boston: Division of Research, Harvard Business School 2nd, New York: Macmillan, 1946.
المصدر:
د. إبراهيم علي ملحم (2008)، علماء الإدارة وروادها في العالم: سير ذاتية وإسهامات علمية وعملية، (القاهرة: المنظمة العربية للتنمية الإدارية).