سيرته الذاتية:
يرمز اسم روثلزبيرغر، فريتز جوليس إلى نظرية وتطبيق العلاقات الإنسانية في الصناعة، أي البحث عن مزيد من الفهم عن كيفية تفاعل الأفراد في المنظمات.
ولد روثلزبيرغر في 29 أكتوبر 1898م في مدينة نيويورك وتوفي في عام 1974م. وأبواه هما فردريك كارل وليندا، اللذان هاجرا إلى الولايات المتحدة من سويسرا. وكان أبوه – الذي توفي عندما كان روثلزبيرغر في السادسة من عمره – قد قدم إلى الولايات المتحدة لينضم إلى أخيه للعمل في مجال استيراد جبن روثلزبيرغر وبيعه بالجملة، فقد ظلت تجارة الجبن مهنة العائلة على مدى ثلاثمائة سنة.
وكمراهق، بدأ روثلزبيرغر عملية الانفصال عن تقاليد عائلته خطوة بخطوة. وهذا الجهد ورثه عن عائلته، لعادتهم في المجادلة بإفراط عن تعريف الكلمات، أو الأفكار عن الأذواق، والتصرفات والأساليب المختلفة للحياة المستمدة من بلدهم القديم. وقد حافظت العائلة على عاداتها ولم تنصهر في المجتمع. وكان روثلزبيرغر متأملاً للطريقة الأمريكية للحياة، التي كانت تعني العِرق واللون والعقيدة والمولد والإرث والمواطنة…إلخ، فهذا ليس له عنده حساب مثل الجدارة والمهارة والكفاءة والمعرفة والحرية التي تعني الكثير.
تعليمه المبكر:
التحق روثلزبيرغر بأكاديمية جزيرة ستاتين، وهي مدرسة خاصة، وذلك في الفترة 1905- 1917م. وخلال ذلك الوقت، انجذب نحو “العلوم” واتخذ واجباته المدرسية وسيلة للهرب من “هراء عائلته غير العلمي “. وقد سحره نسق الأرقام الموجودة في مادة الجبر وعلم الهندسة والرياضيات وعلوم الفيزياء والكيمياء. وكانت هذه المواد بالنسبة له تعني الإتقان والترتيب والصدق والثقة والواقع.
وبينما كان يواصل دراسته في أكاديمية جزيرة ستاتين، أصبح قارئًا شرهًا لقصص هوراتيو ألجير عن التحول من الفقر إلى الغنى. وكان ذلك بمثابة أول احتكاك له “بالأخلاقيات البروتستانتية” – اغرق أو اسبح، افعل أو مت، انجح أو افشل…إلخ، ولم يجد صعوبة تذكر في استيعاب قيم الكفاءة والعمل الشاق الذي تدعو إليه الأخلاقيات البروتستانتية، والتي أصبحت قيمه أيضاً. وأصيب روثلزبيرغر خلال السنتين الأخيرتين في الأكاديمية، بمرض جعله يؤثر العزلة والانزواء إلى روحه والاستعانة بأفكاره كمصدر لتحقيق الرضا. ولم يشاطره في آماله ومخاوفه أي أحد. وقد خطط روثلزبيرغر قبيل تخرجه من الأكاديمية عام 1917م ليلتحق بالكلية التي كان يتمنى أن يتخرج منها ليغدو عالم كيمياء أو مهندسًا فيها.
قضى روثلزبيرغر ثلاث سنوات في كلية كولومبيا في دراسة الهندسة. وواصل حياته في عزلة متعمقًا في دراساته. وتخرج من الكلية عام 1920م ليدخل معهد ماساتشوسيتس للتكنولوجيا لدراسة الهندسة الإدارية، وهي مزيج من الاقتصاد والهندسة. وأنهى آخر سنتين في المعهد، في صيف عام 1921م في كولومبيا ليكمل متطلبات حصوله على درجة البكالوريوس، وحصل على هذه الدرجة من كلية كولومبيا عـام 1921م، ثم البكالوريوس في العلوم من المعهد عام 1922م. وعندما كان في المعهد، تضاءل اهتمامه بالهندسة. وشعر أنه تعوزه المهارات الضرورية لتطبيق نظريات الفيزياء والكيمياء. وقد كان واهمًا بخبرته التي اكتسبها في المعهد. وبدأ يتساءل عما إذا كان قد اختار المجال الصحيح لمهنته المستقبلية أم لا.
مهنته الأولى:
بالرغم من تضاؤل الاهتمام لديه في الهندسة، حصل روثلزبيرغر على عمل في الفترة 1922- 1924م كمهندس كيمائي في الشركة الأمريكية لصهر وصقل المعادن في الباسو بتكساس. وأعادت خبراته في عمله تأكيد إيمانه بأن الهندسة لم تخلق له. وترك هذه الوظيفة بسرعة وهو يستمر في التفكير في تطوير خططه المهنية الجديدة. وعمل روثلزبيرغر في عام 1923م كمراسل مبيعات للشركة الأمريكية للكتاب بنيويورك. وخلال ذلك الوقت كان قد قرأ بشره الأدب الأمريكي المعاصر والذي بدأ في البزوغ في ذلك الوقت. وعزز الأدب تشاؤمه وبدد صورة هاراتيو عن الحلم الأمريكي. ولم يشبع الأدب شغفه أو بحثه عن المعرفة والحقيقة.
التحق روثلزبيرغر في خريف عام 1924م بقسم الفلسفة بكلية الدراسات العليا للفنون والعلوم بجامعة هارفارد جاهدًا لإعداد نفسه كي يعتمد في “جمعية العلماء”. وكان غير مقتنع بدارسة الفلسفة، لذلك هجرها دون أن يكمل أطروحته. اقترح عليه أحد الأشخاص في ذلك الوقت بأن يتحدث مع ألتون مايو، والذي كان قد التحق بأعضاء هيئة التدريس بكلية هارفارد لإدارة الأعمال، وذلك من أجل إجراء بعض البحوث في حوافز العاملين. ساعده مايو في تحويل كل اهتمامه عن كل الأمور التي أراد الهرب منها، مثل إرثه السويسري، والديه، طفولته، تجارة الجبن، الإدارة العلمية، “جمعية العلماء”…إلخ، وكان روثلزبيرغر دائمًا يعزو لمايو أنه كان بمثابة إحدى معجزتين في حياته، حيث عثر على توجهه المهني عندما عمل معاونًا لمايو. وكانت المعجزة الثانية هي زواجه من مارجريت ديكسون في نوفمبر 1929م.
مساهماته وتأثيره في الإدارة:
التحق في عام 1927م بكلية إدارة الأعمال بجامعة هارفارد مدرسًا وعمل بشكل رئيس مع ألتون مايو، الذي أصبح ناصحًا له. وأصبح كل من روثلزبيرغر ومايو حجر الزاوية في فلسفة العلاقات الإنسانية في الصناعة نتيجة لمشاركتهم في تجارب هاوثورن.
كانت أكثر السمات المميزة لمنهج العلاقات الإنسانية هي الانتقال من تقاليد “الإدارة العلمية”، بأساليبها المنطقية الضيقة في طريقة ترتيب العمال وتخطيط العمل، وتركيزها الضعيف على الدفع وفق خطط استعمال الحافز- إلى الاهتمام بتأثيرها على العاملين في عضوية الجماعة غير الرسمية والممارسات الإشرافية. وبدأ علماء الاجتماع وعلماء النفس وعلماء الأجناس في الوقت نفسه بالاهتمام بطبيعة المجتمع الصناعي بوصفها ظاهرة اجتماعية معقدة. وبدأت حركة العلاقات الإنسانية في الصناعة نتيجة لمشاركة روثلزبيرغر وتوثيقه لتجارب هاوثورن.
كانت تجارب هاوثورن سلسلة رائدة من الدراسات بدأت في عام 1927م واستمرت حتى مطلع الثلاثينيات، وأجريت في شركة ويسترن إليكتريك، وقام بها ألتون مايو، وروثلزبيرغر، وديكسون ومساعدوهم. وبينت التجارب أهمية الصفة الإنسانية وأثبتت أن فعالية العمل لم تكن نتاجًا للظروف الاقتصادية والمادية. واستطاعوا أن يفهموا أهمية أوضاع العاملين، والتغيير إلى الطريقة اللامباشرة من المباشرة في المقابلات وتقديم المشورة الشخصية وإدراك تعقيدات النظام الاجتماعي. وقد اعتبر عملهم في تجارب هاوثورن واحدًا من المعالم الأكثر تميزًا في التطور التاريخي للإدارة. وقد حققت “العلاقات الإنسانية في الصناعة” زخمًا وقوة دافعة مع تجارب شركة ويسترن إليكتريك.
بعد تجارب هاوثورن، استشير روثلزبيرغر في العديد من خطط مصانع ويسترن إليكتريك، بالإضافة إلى مصنع هاوثورن، في محاولة لتطبيق نتائج بحث تجارب هاوثورن. وقد عمل مع ممثلي الشركة لوضع برنامج استشاري للعاملين. وعلى الرغم من أنه ظل مهتمًا بالبرنامج الاستشاري في هاوثورن، فإن ارتباطه الذي تميز بالنشاط انتهي في عام 1941م. ثم بعد مضي 25 عاماً، عمل بيل ديكسون الذي كان أحد المشاركين معه في تجارب هاوثورن، على تشجيعه ليكتب معه تاريخ برنامج الاستشارات. وكانت النتيجة عمل كتاب عام 1966م بعنوان: المشورة في المنظمة، (Counselling in an Organization, 1966).
وفي محاولة منه لتوسيع معرفته وخبراته مع الشركات الأخرى ذات الصلة بالسلوك الإنساني في المنظمات، عمل روثلزبيرغر في شركة جنرال موتورز عامي 1938-1939م وفي مستودع ماكي في عامي 1939- 1940م. وفي شركة جنرال موتورز عمل في حل مشكلة كانت تعاني منها الشركة تتعلق بخطة علاوة المديرين. وأجرى في ماكي تجارب شبيهة بتلك التجارب التي أجريت في شركة ويسترن إليكتريك، وكانت قد أجريت على العاملين في قسم البيع.
وقضى روثلزبيرغر في الفترة من 1941- 1942م كثيرًا من الوقت في التنقل من واشنطن وإليها مع مكتب إدارة الإنتاج، والذي أصبح فيما بعد مجلس الإنتاج الحربي، وأحد أنشطته يسمى التدريب في داخل الصناعة. وجمع المجلس الخبراء في التدريب الإشرافي الذين نظموا ثلاث دورات تدريبية هي: التدريب على تعليمات العمل، والتدريب على طرق العمل، والتدريب على علاقات العمل. وكان أكثر إسهام روثلزبيرغر هو في برنامج التدريب على علاقات العمل.
وعمل لاحقاً في مشاريع تجارية صغيرة. وكان قد أرسل إلى نيوانجلند لزيارة مصنع صغير للآليات كان مشرفًا على التوسع بسبب للحرب. وزار العديد من المصانع ليرى ما هي المشكلات التي يمكن أن تظهر من أجل إنتاج قدر كافٍ من المنتجات تتطلبها الحرب.
اتسمت الفترة بين عامي 1938- 1948م بقدر كبير من الاضطراب عند روثلزبيرغر، وتمثل ذلك في الحرب وآثارها، وتحول أعز أصدقائه وزملائه في العمل عنه، وضعف العلاقة بينه ومايو، وإصابته بانهيار عصبي،…إلخ.
وكانت تلك الفترة هي التي أصبح فيها مدرسًا ومربيًا عظيماً. فقد قام بتطوير وتدريس مختلف الدورات التي ترتبط بالعلاقات الإنسانية في الصناعة في كلية هارفارد لإدارة الأعمال وفي كليات أخرى. وخلال سنوات الحرب كان يقدم دورات مشتركة مع زملائه، ثم أصبح عضوًا فاعلاً في كلية إدارة الأعمال. واكتسب عقب الحرب وضعًا معتبرًا في كلية هارفارد، وذلك من خلال تدريسه للفرق الإنتاجية – من كل أنحاء العالــم – الكيفية التي يمكن أن تصبح بها أكثر إنتاجية. فكانوا يأتون إليه خصيصًا كي يتعلموا منه.
رقي روثلزبيرغر في عام 1946م إلى درجة بروفيسور في كلية هارفارد لإدارة الأعمال. وفي الفترة التي سبقت ذلك عمل أستاذًا مساعدًا في الفترة من 1930- 1938م، وأستاذًا مشاركًا في الفترة من 1938-1946م. وكانت غالبية الطرق التي كان يستخدمها في التدريس هي طريقة الحالة. وأصبح في الفترة من 1950- 1967م يحمل لقب بروفيسور (أستاذ) والس دونهام في مجال العلاقات الإنسانية. وحصل على درجة أستاذ كرسي عند تقاعده في عام 1967م.
حصل روثلزبيرغر على جائزة ليدي في هارفارد، وجائزة تيلور كي لجمعية تطوير الإدارة. وكان عضوًا في الجمعية الأمريكية للعلوم الاجتماعية، وجمعية الأنثروبولوجي التطبيقية وبعض الجهات الأخرى.
تجارب هاوثورن:
استمر عمل روثلزبيرغر ومايو في تجارب هاوثورن لفترة اثنى عشر عامًا. كانت التجارب تتعلق بالإنتاجية، والرضا، وتحفيز العاملين في مصنع هاوثورن في سيزنيروس بألينيوي (بالقرب من شيكاغو) التابعة لشركة ويسترن إليكتريك، والتي كانت الذراع الصناعي لأنظمة بيل الأمريكية للهاتف والتلغراف. وقد كان للدراسات التجريبية أثرها العميق في “حركة العلاقات الإنسانية” في الصناعة. واجتازت التجارب أربع مراحل وهي:
- الاهتمام المحير مع إنتاجية العامل.
- الاهتمام برضا العامل.
- الاهتمام بتحفيز العامل.
- الإدراك المتنامي بأن الإنتاجية والرضا والتحفيز كلها ذات علاقات متبادلة مع بعضها البعض.
كانت هناك ثلاث مراحل من التجارب أجريت في هاوثورن وهي:
- دراسات غرفة الاختبار، والتي كانت تتعلق بتقييم تأثير المتغيرات الفردية على أداء العاملين.
- الدراسات المتعلقة بالمراقبة وكانت تتعلق بوصف وفهم العوامل التي تؤثر في التنظيم غير الرسمي لمجموعات العمل، وقد كانت ذات طبيعة اجتماعية.
- دراسات إجراء المقابلات، وكانت تتعلق بتحسين وضع العامل وكانت ذات طبيعة اجتماعية.
ومن أمثلة هذه المراحل ما يلي:
1- دراسات غرفة الاختبار:
عندما أجريت دراسات غرفة الاختبار في الفترة من 1924- 1927م، لم يكن يشترك فيها روثلزبيرغر ولا مايو في تجارب هاوثورن. وبدأ العمل في الدراسات من قبل الشركة بالتعاون مع المجلس الوطني للبحوث التابع للأكاديمية الوطنية للعلوم. وكجزء من دراسات غرفة الاختبار، تم إجراء دراسات الإنارة التي تعالج آثار الكمية وجودة الإنارة في كفاءة عمال الورشة. وكانت نتائج هذه التجربة وكذلك التجارب المماثلة حاسمة. فعلى سبيل المثال تم في إحدى التجارب توزيع العاملين إلى مجموعتين:
- مجموعة الاختبار، حيث تم إخضاع العاملين لإنارة مكثفة وبمقدار متزايد.
- مجموعة التحكم، حيث عملت هذه المجموعة تحت إضاءة متواصلة.
وعلى النقيض مما كان متوقعًا، فقد ارتفعت الإنتاجية في كل من مجموعة الاختبار ومجموعة التحكم، وكان ارتفاع الإنتاجية في كل من الحالتين بالقدر نفسه. وظهر كما لو أن الإنتاج ازداد لأن ردة فعل العاملين تجاه الاهتمام الإيجابي للتجارب عن ظروف عملهم كانت عكس التغيير في الإنارة. وتمت أيضًا مناقشة النتائج التي كانت مقنعة نسبة لصعوبة الاختبار من أجل تأثير متغير واحد وفي وضع يوجد فيه الكثير من المتغيرات التي لا يمكن التحكم فيها.
2- دراسة غرفة اختبار تجميع المراحل:
تم إجراء اختبار آخر أطلق عليه اسم دراسة غرفة اختبار تجميع المراحل في عام 1927م. وكان هذا مراقباً أكثر وشاركت فيه خمس عاملات في قسم التجميع، واللاتي تم عزلهن في غرفة حيث كانت ظروف عملهن يمكن ضبطها، ويمكن قياس إنتاجيتهن، ويمكن مراقبة سلوكهن بشكل لصيق. وخضعت لثلاث عشرة فترة تجارب مختلفة، تراوحت في العدد وطول فترات الراحة، وطوال يوم العمل وأسبوع العمل. وخلال السنة الأولى، وفي نصف زمن التجربة تحسنت ظروف العمل وازدادت الإنتاجية. ولكن عندما قرر المختبرون إرجاعهن إلى الظروف الأصلية وهي العمل لفترة ثماني وأربعين ساعة في الأسبوع دون التمتع بفترات راحة وفترات لتناول القهوة…إلخ – فبدلا من أن تتدنى الإنتاجية حافظت على مستواها العالي. ومرة أخرى اتضح أن العاملين تكون ردة فعلهم تجاه الاهتمام الإيجابي من قبل مختبريهم جيدة. وأثناء دراسة تجربة غرفة تجميع المرحل جاءت مشاركة روثلزبيرغر ومايو مع باحثي هاوثورن، حيث كانوا قد واجهوا مشكلات في تفسير نتائج البحث المقنعة. كان مايو قد أصبح كبير المستشارين بالنسبة للباحثين. وبينما أخذ مايو في التفاعل مع كبار المديرين في مصنع هاوثورن، تركزت مشاركة روثلزبيرغر مع المراقبين في المستويات الأدنى. وحفزت نتائج دراسة غرفة اختبار تجميع المرحل الباحثين ليتخذوا اتجاهًا آخر.
3- دراسات المقابلات:
أطلق على النوع الآخر من البحوث برنامج المقابلة، والذي كان عبارة عن عملية بحث عن سبب حالات الرضا التي يشعر بها العاملون، والتي من الممكن أن تؤثر في إنتاجهم. وفي هذا المنهج، كان يتعين على المختبرين السابقين أن يتعلموا كيف يجعلون عمالهم يتحدثون عن الأمور التي تعتبر مهمة بالنسبة لهم. ونظروا إلى محاولة الاستماع إلى العاملين بشكل إيجابي، والتي كشفت عن الاختلاف الذي خلفه سلوك المراقبين على العاملين. لم يكن المراقبون يستمعون إلى مرءوسيهم بشكل متعاطف ولم يحاولوا أن يتفهموا ما كان مرءوسوهم يحاولون أن يقولوه لهم.
4- دراسة غرفة مراقبة توصيلات البنك:
كانت التجربة الأخرى هي دراسة غرفة رصد توصيلات البنك، والتي كانت عبارة عن محاولة لاكتشاف ما يجري في مجموعة عمل دون إحداث تغييرات في وضعها. وضمت هذه الغرفة أربعة عشر عاملاً من الذين تقاضوا راتبهم نظير القطعة، كلما أنتجت المجموعة أكثر، كسبوا أكثر. وربما يتوقع المرء أنهم كانوا مهتمين بالحفاظ على الإنتاج الكلي، وأن العمال الذين يتميزون بالسرعة سوف يضغطون على العمال الذين يتصفون بالبطء، وذلك لتحسين كفاءتهم. ولم تكن تلك هي القضية. فقد أنتج بعض العاملين في الغرفة معدل إنتاج يشكل عمل يوم مجزيًا. فالعمال الذين انتهكوا المعدل من خلال إنتاجهم بدرجة أكبر أو أقل، عوقبوا من قبل العاملين أنفسهم. وكان كل مستوى من الإنتاجية يعتمد على وضعه في النظام غير الرسمي بالنسبة للمجموعة، أكثر من اعتماده على ذكائه أو براعته أو حافزه الاقتصادي.
ومنذ ذلك الوقت أصبح الباحثون مهتمين أكثر بالتنظيم غير الرسمي للمجموعات الصغيرة.. كيف يتم ضبط سلوك العامل داخل المجموعة، وكيف يرتبط هذا السلوك بالإجراءات الرسمية التي وضعت من قبل الإدارة؟
وبإيجاز، فقد جذبت تجارب هاوثورن الانتباه إلى عدد من الفرضيات عن طبيعة العامل وعمله:
- إظهار أن العامل ما هو إلا “إنسان اقتصادي” يتم تحفيزه عن طريق الأجر.
- الأهمية الفردية لمواقف الفرد في تحديد السلوك.
- إظهار أهمية دور المشرف في معادلة المعنويات والإنتاجية.
- إظهار الأهمية الكبيرة لإنجاز أهداف المنظمة ورضا العاملين وروح المجموعة والعمل الجماعي.
- كان هناك تنوير بأن القليل قد عرف عن التنظيمات غير الرسمية لمجموعات العمل وآثارها على الأهداف التنظيمية.
على الرغم من أن روثلزبيرغر كانت مشاركته غير مباشرة في تجارب هاوثورن عندما أصبح مايو رئيساً، فإن مشاركته أصبحت أكثر فاعلية في سبتمبر1932م، عندما تم إرسال بيانات التجارب إلى كلية هارفارد لإدارة الأعمال من أجل إجراء دراسة وتحليل وتسجيل أعمق عليها. وكانت النتيجة ظهور كتاب من جزأين، هو العامل الصناعي The Industrial Worker، كتبه نورث وايتهيد، والذي أعاد فيه تحليل كل بيانات تجربة غرفة اختبار تجميع المرحل، والكتاب الآخر هو الإدارة والعامل Management and the Worker، كتبه بيل ديكسون روثلزبيرغر، وبينا فيه الترتيب الزمني وتوجهات العديد من اختبارات هاوثورن وقاما بتحليل ما أشارا إليه أثناء تنقلهما من مرحلة إلى أخرى.
كتب روثلزبيرغر الإدارة والعامل ليسجل ويوثق تجارب هاوثورن لأنه اعتقد أنه بعمله ذلك سيكون متفوقًا على مايو. وكان ينظر إلى كتابته للكتاب كطريقة لرد الدين إلى مايو، بينما في الوقت نفسه يقدم لمؤسسة روكفيلر منتجاً مكتملاً، متمثلاً في كتاب يمكن أن يساعدهم مالياً من أجل إجراء التجارب. وتم الحصول على موافقة نهائية في عام 1939م من مصنع هاوثورن لنشر الكتاب.
لم يتوقع روثلزبيرغر أبداً أن الكتاب سيحقق أفضل المبيعات ككتاب من هذا النوع. وبلغ كتاب الإدارة والعامل مرتبة رفيعة، وقد كان حافزًا لإجراء عدد كبير من البحوث الجديدة في الصناعة. وكان هذا يمثل بالنسبة لروثلزبيرغر إسهاماً مهماً، كما آثار أيضاً قدراً كبيراً من النقد بين علماء الاجتماع والأكاديميين.
ولإن روثلزبيرغر لم يستغل الوقت لتوثيـق نتائج تجاربه، فقد كان يعتقد أن تأثير ما حدث في مصنع هاوثورن على الإدارة والعلاقات الإنسانيــة في الصناعة سوف لن يكون تأثيراً كبيراً. وكانت بعض التضمينات الخاصة بالتجارب على الإدارة كالآتي:
- أسهمت التجارب في نمو وتطوير منهج العلاقات الإنسانية في إدارة شئون الموظفين. وركزوا على الحاجة لكي يأخذوا في الاعتبار الشكل الأساسي للحقيقة، وركزوا – أيضًا – على مواقف وعواطف العاملين ليغرسوا فيهم شعورًا بالتبعية كأعضاء مهمين للمؤسسة التجارية.
- أسهمت التجارب في مجال الاستشارات التوظيفية. وركزت هذه الحركة على القيم في عملية التعبير عن تخفيف الضغط الوظيفي والانهماك وجلب العلاقات التعاونية وسط جماعات العمال.
- مهدت التجارب الطريق لمجال علم الاجتماع الصناعي. إن تطوير علم الاجتماع الصناعي كثيراً ما يتم تتبعه في الدراسات الوصفية للجماعات غير الرسمية الذين يباشرون تجربة جماعة مراقبة الاتصال في البنك، وتبشر التجربة بأدب واسع يتعلق بالأساليب والنتائج وتضمينات دراسات المجموعة الصغيرة.
- أثرت التجارب على التدريس العام وعلى تطبيق الإدارة الصناعية. ووفرت الدراسات مواد وتركيزًا في البحث لأقسام العلاقات الصناعية في الكليات والجامعات الكبيرة.
مسرد لأهم أعماله:
- Roethlisberger, Fritz. J. Management and the Work, Harvard University Press, 1938.
- Roethlisberger, Fritz. J. Counseling in an Organization, Harvard University Press, 1966.
- Roethlisberger, Fritz. J. Man-in-Organization, The Belknap Press of Harvard, 1968.
- Roethlisberger, Fritz. J. The Elusive Phenomena, Division of Research, Graduate School of Business Administration, University of Harvard,1977.
- Roethlisberger, Fritz. J. The Motivation, Productivity and Satisfaction of Workers, 1958.
- Roethlisberger, Fritz. J. Training for Human Relations, Harvard University Press, 1954.
- Roethlisberger, Fritz. J. Management and Moral, 1941.
المصدر:
د. إبراهيم علي ملحم (2008)، علماء الإدارة وروادها في العالم: سير ذاتية وإسهامات علمية وعملية، (القاهرة: المنظمة العربية للتنمية الإدارية).