سيرته الذاتية:
ولد مارشال، جورج كاتلت في 13 ديسمبر 1880م في مدينة بانتيون تاون في ولاية بنسلفانيا الأمريكية. وكان مثالاً للفشل والخزي في المدرسة. وفي محاولة منه لكي يحسن من نفسه، التحق في السادسة عشرة من عمره بالمعهد العسكري بفرجينيا – وهي المدرسة نفسها التي تخرج فيها أخوه – وتخرج في يونيو 1901م، ولم يكن في استطاعته – آنذاك – الحصول على رتبة في الجيش حتى فبراير 1902م. وفي وقت لاحق من ذلك الشهر تزوج من اليزابيث كوز كارتر. توفيت اليزابيث مارشال في 1927م وكان موتها مأساة شخصية بالنسبة له. وأصبح مساعدًا للقائد في مدرسة المشاة في 1927م. وتزوج في 1930م من أرملة وهي كاثرين توبر براون. وهو الوحيد الذي تولى منصب وزير الدفاع ووزير الخارجية حيث أصبح قائداً للجيش ثم وزيراً للدفاع (1947- 1949م) ووزيراً للخارجية (1950- 1951م)، فبعد الحرب العالمية الثانية عينة الرئيس ترومان وزيرًا للخارجية، وكان مارشال يشكل المعارض القوي للوجود الشيوعي وموقفه هذا ضد السياسة والوجود السوفيتي وضع الأساس لما يسمى “مشروع خطة مارشال” للإنعاش الاقتصادي في أوروبا والدول الأخرى لدعمها على مقاومة النفوذ الشيوعي والتي نفذت خلال فترة مارشال كوزير للخارجية. في عام 1953م كسب الجنرال مارشال جائزة نوبل للسلام لجهوده في خلق الاستقرار والسلام في أوروبا.
مساهماته:
خدم مارشال في جزر الفلبين، ثم في الحرب العالمية الأولى في فرنسا تحت إمرة الجنرال جون بيرشينغ والذي يعتبره بطله. وفي الأول من يوليو 1939م أصبح مارشال نائبًا لأركان الحرب في الجيش. هناك الكثيرون في التاريخ الذين صقلهم تركيزهم في التعليم ليصبحوا جنودًا محترفين. ونجد كثيرًا من هؤلاء الرجال الذين أفنوا أعمارهم في الخدمة العسكرية دون اكتساب مدى واسع من التجارب المدنية. وباستعراضنا للأحداث الماضية نجد أن قلة قليلة فقط هم ممن أصبحوا من العظماء، ليس ذلك بسبب مهاراتهم كمقاتلين، بل لبراعتهم في الإدارة والتنظيم. وكان أعظم إسهام قدمه الجنرال جورج مارشال هو نجاحه كجندي، وكرجل دولة ذي مقدرة فذة على التنظيم والتطوير والتنفيذ. ووصفه وينستون تشرشل بـ”صانع النصر” وتتجلى قوته في قدرته على الإدارة.
تمتع جورج مارشال بقدرته على القيادة، وقد خلفت فيه شعورًا إيجابياً، الأمر الذي كان يتوق إليه عندما التحق بالعسكرية. واكتسب إحساسًا عظيمًا بالإنجاز في إعداده لأفواج من الجنود المدربين ذوي الجاهزية في القتال، والقادرين على التعامل مع أي نوع من المشكلات. وبالإضافة إلى ذلك فإنه يكون في غاية الرضا عند إتمامه إنجاز مهمامه. وكان رؤساؤه ينظرون إليه على أنه “قابل للتكيف، وواسع الحيلة وسريع البديهة”. وهذه هي المزايا التي تتطلبها العسكرية في قادتها.
وبوصفه قائدًا فقد كرس نفسه لعمله، ولم يسع إلى التأثير على الآخرين سياسيًا لترقيته كقائد للأركان. وكان ذلك يمثل بالنسبة له قوة عظيمة وتباينًا مباشرًا بالنسبة للجنرالات الآخرين. وكانت النتيجة حصول مارشال على الوظيفة.
وقد أصبح جنديًا “سياسيًا” حتى يستطيع البقاء في واشنطون من أجل تحقيق أهداف إعادة تسليح الجيش، الأمر الذي يعني أنه يتعين عليه أن يضع تدريبه خلفه. وقد تكيف مع مطالب الوظيفة الجديدة في بيئة رفيعة المستوى سياسيًا في الوقت الذي حافظ على بساطة صورته الشخصية. ومن خلال التزامه بوظيفته ولعب الأدوار السياسية، أصبح في آخر الأمر بارعًا كالباقين. وكان جنرالاً جيدًا في تكوين الجيوش وأصبح حلقة ربط ضرورية بين العسكرية والمجالات السياسية.
وأصبح هذا النموذج للإدارة أساسًا لتطوير أعظم القوى المحاربة في تاريخ العالم. وبدخول الولايات المتحدة في الحرب العالمية الثانية، كان المطلب هو وضع خطة للقتال في الحرب على نطاق عالمي واسع. وكان ذلك يعني وضع أولويات وأهداف، وتطوير دعم لوجستي، وعمل شبكات الاتصالات، وتوفير وتدريب الموارد البشرية الضرورية، وتطوير نظام الأوامر مع القادة.
وكان في وقت الأزمات مثل الصخرة، وكان يتمتع بهالة من السلطة.ولم ينسَ أبدًا حالة الارتباك التي حدثت في بداية الحرب العالمية الأولى مع التعبئة المفاجئة للأفواج المشتتة من الجنود، الذين اندفعوا إلى وسائل المواصلات ليبحروا إلى فرنسا للقتال هناك. سعى مارشال إلى تطوير خطة شاملة للنصر، وكانت الخطة هي تطوير قوة بشرية وأولويات سياسية ولوجستية. ومع المصلحة التنافسية بين الأحلاف والقادة، فقد تقرر أن يكون الهدف الرئيس هو تحقيق النصر في أوروبا، بينما كان لزامًا على منطقة الباسفيك أن تحارب بطريقة أكثر تقييدًا، مع الاعتدال في الاستثمار في الرجال والعتاد.
وقد قال مارشال عن خدمته المبكرة في الحرب في الفلبين ما يلي: “متى ما شارك جيش في حرب، فإنه يكون هناك وحش يسحب في سلاسلها، ويجب على الضابط الجيد أن يتعلم مبكرًا كيف يتحكم في الوحش في داخله وفي رجاله. Mosely, 1982 “.
عكس مارشال ذلك في نظرته وفي ضبطه للذات، وتوقع أعلى مردود من رجاله. وكان الشرف والإخلاص هو ديدنه.
كان مارشال منصفًا مع مرءوسيه. وقد شعر بأن القائد ينبغي أن يختار مرءوسين جيدين، ومن ثم يمكنهم من تأدية عملهم بثقة. وكان مارشال مستعدًا لتقديم المساعدة عندما يشعر أنها ستكون مفيدة. وأثناء الأزمة في الميدان يمكن أن يتلقى القائد رسائل تفيد بالدعم الكامل من البنتاغون. وقد فهم مارشال الحاجة للمرونة. وقد قال الجنرال برادلي: إنه لم يكن يريد طاقمًا من الرجال الذين يقولون نعم دائماً.
كان مارشال يؤمن بوحدة إصدار الأوامر. إن الطريقة الفاعلة لإدارة أية عملية عسكرية مهمة هي اختيار قائد واحد ومنحه السلطة والمسئولية اللازمة لإنجاز العمل. وقد كان مارشال معلمًا ونصيرًا لآيزنهاور، في حين كان يحتفظ بعلاقة مهنية معه. ولقد فهم كل منهما أن القائد الفعال لتنظيم قوات بكبر القوات المتحالفة في أوروبا لا يمكنه معالجة تفاصيل التخطيط والتنفيذ ما لم يكن قادرًا على وضع الأولويات بخطوط واضحة من السلطة المتاحة لتدفق المعلومات، والتي يجب تلقيها من مصادرها، وهذه المعلومات تمكن من يصدرون الأوامر من صناعة القرارات المهمة، ومن ثم تكون لديهم القدرة على تنفيذ هذه القرارات بنجاح.
تابع آيزنهاور قيادة مارشال عن طريق تنظيم قناة ملائمة للمتابعة. وقد سلم بنجاح وفشل قائد أركان الحرب. وإذا قام “القائد الأعلى أو التنفيذي” بإنشاء نظام يعمل بطريقة جيدة، فإنه حتمًا سيكون لديه “الوقت، والبيانات والسلطة” لتنفيذ القرارات الأكثر أهمية. أراد آيزنهاور التركيز على “الإستراتيجية الأساسية”، والقرارات الواسعة بالنسبة لوضع العمليات، والتخطيط التكتيكي، وتطوير الأهداف الأساسية وتوزيع حصص الموارد الضرورية. وقد آثر أن يختار من البدائل التي وضعت من قبل رجاله بدلاً من العمل على التفاصيل. وهذا يتفق بشكل مباشر مع اهتمام مارشال خلال الهجوم على شمال إفريقيا لتنظيم وتحديد حصص الموارد.
ركز مارشال بشكل كبير على الاتصال والمرونة مع قادته الأفراد. وكان الانعكاس الأكثر إثارة هو الطريقة التي عامل بها قائدَيه الرئيسَين ماك آرثر وآيزنهاور.
أوصى مارشال ان تتم ترقية ماك آرثر إلى جنرال “بأربع نجوم” حتى ولو لم يكونا متفقين، لكنه شعر بأن ماك آرثر كان قائدًا متميزًا ويحتاج إلى أن يمنح نجمة إضافية. كانت اتصالاته مع ماك آرثر رسمية وتتبع تسلسل الأوامر، بينما كان الحال مع آيزنهاور أقل صرامة وغير رسمي.
وكان يبدو لرجاله فوق النقد، فقد كان قادرًا على تقديم الحجج والبراهين، وكان عندما يصدر قرارًا فلا يستطيع أي أحد من رجاله معارضته كثيرًا. وكان يلتمس دائمًا الحصول على تغذية مرتدة مباشرة، حتى أنه كان يحصل على آراء الجنود من وراء قادة الميدان. وفي الوقت الذي كان يبدو غير ودي في تعامله بسبب الضغط فإنه كان يجد طريقة للإيماء للمرءوسين سراً.
هناك نقدان مهمان لمارشال. يتركز النقد الأول على فشله في استخدام الهاتف لتحذير القائد في بيرل هاربر من هجوم محتمل. والسبب هو أنه لم يكن مرتاحًا لهذه التقنية “الجديدة”.
والنقد الثاني هو فشله في معرفة وإدراك الخلفيات السياسية عن القرارات العسكرية في أوروبا. وهذا قد منح السوفييت فرصة السيطرة على أوروبا الشرقية. وكان مارشال يشعر بأن القضايا السياسية يجب أن تترك لرئيس الدولة للفصل فيها.
وكان نفوذه هائلاً إبان أزمة الحرب العالمية الثانية. وأطلقت عليه مجلة التايم في عام 1943 “شخصية العام” لإعادة تسليحه الجمهورية.
مسرد لأهم أعماله:
Marshall, George C., The Paper of George Catlett Marshall: The Soldierly Spirit 1880-1939, Volume 1. Baltimore: The John Hopkins University Press, 1981.
المصدر:
د. إبراهيم علي ملحم (2008)، علماء الإدارة وروادها في العالم: سير ذاتية وإسهامات علمية وعملية، (القاهرة: المنظمة العربية للتنمية الإدارية).