التخطيط الاستراتيجي للتفوق والتميز في المنظمات

 لقد أوجدت العولمة جملة من الصعاب والتحديات أمام مختلف المنظمات الإنتاجية منها والخدمية، وفرضت حالة من التأهب القصوى لم تشهدها الأسواق من قبل؛ انعكست سلباً على أداء الكثير منها، خاصة الصغيرة ومتوسطة الحجم، فلم يعد بمقدور تلك المنظمات العمل دون رؤية واضحة، وأهداف مستقبلية تأخذ في اعتبارها تطورات البيئة المحلية والخارجية، فكل منها أصبح قيد العديد من المتغيرات التي لعبت دوراً كبيراً في إعادة صياغة وتحوير مفاهيم عدة ظلت لفترة من الزمن تحكم ثقافة المنظمة وقيمها.فمستوى (التنافسية) الذي قد توضع فيه المنظمة نتيجة لزيادة سرعة وديناميكية المتغيرات التي تحيط بها، يتطلب أهداف وسياسات إستراتيجية على درجة عالية من الكفاءة التي تعنى بالرفع من قدراتهـا التنافسية (المستدامة) والتي تضمن لها الريادة والتميز لفترة زمنية أطول من تلك التي تنتهج قدرات تنافسية (آنية) غالباً ما يتم تحطيمها من قبل المنافسين، وهذا يقودنا بالضرورة إلى تحليل إستراتيجية بناء تلك القدرات من خلال الوقوف على منهجية التخطيط الإستراتيجي الذي تمارسه المنظمة خاصةً فيما يتعلق بتحقيق تكيف المنظمة مع البيئة المحيطة في ظل حالة التأهب التي أدت إلى عدم توفر مقومات البيئة الملائمة لممارسة ذلك النوع من التخطيط، فلم يعد الاستقرار ميسر في البيئة التنافسية، وأصبح العمل بالخطط قصيرة الأجل وخطط التشغيل محور اهتمام إدارة المنظمة، الأمر الذي أضعف من إمكانية تعرفها على الفرص والتهديدات المستقبلية، ومن ثم عدم قدرتها على التعامل معها لاحقاً.وجاءت التنافسية بأهداف غير تقليدية، تطلبت خطط إستراتيجية على درجة عالية من الشمول والتكامل، والتفاعل بين المستويات الإدارية المختلفة، وبناء علاقة طويلة الأمد بين دوائر التخطيط ودوائر التنفيذ، فكان من بين تلك الأهداف ـ على سبيل المثال لا الحصر ـ هدف الديناميكية التكنولوجية، وهدف المسئولية الاجتماعية، وهي أهداف تفوق قدرات ذلك الحجم من المنظمات التي عادةً ما تتصف بمحدودية الإمكانيات المادية والبشرية.وبناء عليه فإن هناك العديد من الأسئلة التي تطرح نفسها: هل يمكن للتخطيط الإستراتيجي أن يلعب دور في الرفع من القدرات التنافسية للمنظمات الصغيرة والمتوسطة الحجم ؟، وإن كان كذلك ما هي أسس الخطة الإستراتيجية المثلى؛ والمساحة التي يجب أن تحظى بها في سياسات الإدارة الإستراتيجية المتبعة لتدعيم تنافسية تلك المنظمات ؟، وإلى أي مدى يمكن لتلك المنظمات أن تعتمد على التخطيط الإستراتيجي كوسيلة للرفع من قدراتها التنافسية ؟.وتسعى هذه الورقة إلى محاولة الإجابة على تلك التساؤلات من خلال الأهداف التالية:• إبراز دور التخطيط الإستراتيجي في الرفع من كفاءة أداء المنظمات الصغيرة والمتوسطة، والبحث في مدى حاجة مثل تلك المنظمات لهذا النوع من التخطيط.• الوقوف على قوة العلاقة التي تربط منهجية التخطيط الإستراتيجي ببناء القدرات التنافسية من جهة، ومدى تأثر تلك العلاقة بحجم المنظمة من جهة أخرى.وتكمن أهمية هذه الورقة في تناولها للتخطيط الإستراتيجي كمدخل للتنافسية على مستوى المنظمة، وما يتعلق بها من برامج سياسات استحوذت على اهتمام المنظمات الصغيرة والمتوسطة في ظل تنامي وتطور محددات السوق المحلية والعالمية بوتيرة فاقت قدرتها على مجارة المنظمات الكبيرة، الأمر الذي شكل لها تهديد استوجب الوقوف عنده، والبحث في البدائل الإستراتيجية التي يمكن الاستعانة بها في مواجهة تلك التحديات.وتنتهج هذه الورقة في تناولها للموضوع المنهج الوصفي، في محاولة منها لبيان قوة العلاقة بين المتغيرات الثلاثة والمتمثلة في التخطيط الإستراتيجي، والتنافسية، وحجم المنظمة، وذلك من خلال المحاور التالية:• مفهوم التخطيط الإستراتيجي وأهميته للمنظمات الصغيرة والمتوسطة.• التخطيط الإستراتيجي كوسيلة للرفع من كفاءة أداء المنظمة.• أسس التخطيط الإستراتيجي في المنظمات الصغيرة والمتوسطة وتحديات السوق.

 أ.د. محمد عبد الوهاب العزاوي

Share on facebook
Share on twitter
Share on linkedin
Share on whatsapp
Share on email

أحدث​ المقالات

الشلل الرقمي وتأثيره عالمياً

أصبحت التكنولوجيا الرقمية وما يرتبط بها من وسائل التواصل الاجتماعي والهواتف الذكية والمواقع الإلكترونية جزءاً هاماً من حياتنا اليومية ولا يمكن الاستغناء عنها، فجميعنا يتفقد

تفاصيل »

الذكاء الاصطناعي.. ثورة أم تهديد؟

يُعدُّ الذَّكاءُ الاصطناعيُّ، أداةً ثوريَّةً ستُحدِثُ تحوُّلًا هائلًا في كافَّةِ المجالاتِ، خاصَّةً الصناعةَ، فخلالِ السنواتِ القليلةِ المقبلةِ سيتغيَّرُ القطاعُ الصناعيُّ بشكلٍ جذريٍّ، وستحلُّ الربوتاتُ مكانَ

تفاصيل »