أنظمة الجودة وتقييم الأداء المؤسسي

منذ سنوات والمحافل العلمية ومؤسسات الدراسات الاستراتيجية تتحدث عن إنطلاقة الثورة الصناعية الرابعة. بعد أن تلمس سكان كوكبنا نتائج تطبيق أنظمة الإنتاج الإلكتروني التي إستهدفت ربط عالمي الإنتاج المادي والافتراضي ببعضهما، وتوسعت في استخدام العمليات الرقمية التي تجمع بين عمليات التحويل الرقمي وتكامل سلاسل القيمة والمنتجات و/ أو الخدمات.  كما أن التفاعل الكبير بين تكنولوجيا المعلومات، والاجهزة، والإنسان صارت مرتبطة ومتفاعلة مع بعضها بشكل حقيقي، مما سمح ببناء طرق تقديم خدمات مرنة ومبتكرة، تتميز بكفاءة استخدام الموارد. وبدأت المؤسسات الذكية تستخدم إنترنت الأشياء في العمل على نطاق واسع ضمن تطبيقات الحكومة الالكترونية.كل تلك الحقائق جعلت العالم يشهد تغير أماكن العمل وطريقة تقديم الخدمات خاصة في المؤسسات الحكومية، إذ أصبحت الابتكارات المتلاحقة تحيط بنا. وبدأنا نشهد التحولات الاقتصادية الناتجة عن التأثير الواسع للاقتصاد القائم على المعرفة. وتسعى دول العالم لتعزيز موقعها في تقارير التنافسية الدولية التي تصدر من مؤسسات عدة منها الملتقى الاقتصادي العالمي World Economic Forum، ومركز التنافسية العالمي World Competitiveness  التابع للمعهد الدولي للتنمية الادارية IMD، والبنك الدولي The World Bank. إن سبب إهتمام الدول بهذه التقارير يعود الى طبيعة المعايير التي تستخدمها، والتي تكشف عن قدرة الدولة في توفير البنى التحتية وكفاءة الحكومة وكفاءة قطاع الأعمال، ومستويات الأداء والإبداع، وقدرتها على تحقيق مستوى متقدم في توفير العيش الكريم، والرخاء الإقتصادي المستدام في مختلف المجالات.لقد أصبحت الجودة هدفاً إستراتيجياً تسعى جميع المؤسسات لتحقيقه بضمنها المؤسسات الحكومية، بعد أن أصبحت سلاح تنافسي مهم تستخدمه لتحقيق رضا المستفيدين بكل شرائحهم، وتحقيق التميز والريادة في العمل. لذلك إحتل موضوع جودة الخدمات الحكومية الأولوية في إهتمام المؤسسات الحكومية وقادتها بهدف تحسين الاداء، بعد أن أتضح لهم أنها تمثل العامل الرئيس في نجاح مؤسساتهم. وتبين من خلال تتبع التجارب العالمية المتميزة في مجال الجودة، إن معظم التحسينات المستمرة في الجودة قد أدت إلى رفع معدلات الأداء وتخفيض التكلفة، وبذلك تمكنت تلك المؤسسات أن تحقق إنجازات كبيرة على المستوى العالمي نتيجة إعتمادها فلسفات متقدمة ورائدة منها الجودة مسؤولية الجميع، والتحسين المستمر، والتلف الصفري، وحلقات الجودة. يهدف هذا الكتاب للتعريف بالاتجاهات المعاصرة في مجال الجودة وتقييم الأداء في المؤسسات الحكومية، كما يتناول التجارب العملية في بناء نظم الأداء المؤسسي على مستوى الجهات الحكومية. وهو أول كتاب يتضمن مؤشرات تفصيلية لتقييم الإدارات في المؤسسات الحكومية، وإداراتها وكيفية تنفيذ عملية التقييم والمراجعة. وعلى الرغم من تبني إسلوب الكتابة المبسّط الذي إستخدم في صياغة الكتاب، فإن الأدوات الواردة فيه تتطلب فهماً بسيطاً لتقنيات الجودة وتقييم الاداء المؤسسي.إن القراء المحتملون لهذا الكتاب هم:1. الخبراء والمستشارون في مجال الجودة وتقييم الاداء المؤسسي.2. مدراء الادارات عموماً، ومدراء إدارات الجودة خصوصاً في المؤسسات الحكومية.3. موظفو الجودة في المؤسسات الحكومية وغير الحكومية. وبصورة عامة يساعد الكتاب المؤسسات الحكومية في تحقيق ما يلي:1.  توفير القاعدة العلمية والفنية لادارات الجودة والمختصين في المؤسسات الحكومية من بناء نظم الجودة.2.  تمكين الموظفين المكلفين بأنشطة الجودة في إداراتهم من القيام أو المشاركة بالتقييم الذاتي وتشخيص الجاهزية لتطبيق معايير الاداء المؤسسي في المؤسسات الحكومية.3. تمكين موظفي الجودة بالتعاون مع مدراء الادارات في المؤسسات الحكومية لإعداد تقارير التقييم الذاتي والتقارير الدورية.4.  رفع قدرات ادارات الجودة في إعداد تقارير التقييم الذاتي والتقارير السنوية ورفعها للجهات المختصة.5.  توفير اجراءات ونماذج مبسطة، لتمكين مدققي ومراجعي نظم إدارة الجودة، من القيام بتقييم ومراجعة اداء المؤسسات، بصفتهم مدققين داخليين أو خارجيين، عند تكليفهم بمهام تقييم الأداء المؤسسي وتدقيق الجودة.ولتحقيق الغايات المستهدفة تم تقسيم الكتاب إلى خمسة فصول وكما يلي:الفصل الاول: يركز على الاتجاهات المعاصرة في بناء الجودة من القاعدة، كما يستعرض أسس ومنهجيات نشر وتعزيز ثقافة الجودة والتميز المؤسسي.الفصل الثاني: يستعرض التطورات في مجالات الجودة خلال العقدين الماضيين، وتوقعات تطور أنظمة الجودة خلال العقد القادم في ظل الثورة الصناعية الرابعة، فضلاً عن ضرورة تعزيز ثقافة التميز في المؤسسات الحكومية.الفصل الثالث: يتناول معايير وأنظمة الجودة والمواصفات العالمية، وأهم ما يميز الإصدار الجديد لمواصفة الآيزو لعام 2015، كما يستعرض خطوات توثيق نظم الجودة. وحرصاً على تطوير قدرات المختصين تضمن الكتاب ملحقاً يحتوي الترجمة (الاحترافية) المتخصصة والكاملة للمواصفة العالمية الجديدة (ISO 9001/2015). ويستعرض الفصل أبرز جوائز الجودة والتميز المؤسسي العالمية والأوربية. الفصل الرابع: يتناول الخطوات التطبيقية لتصميم نظم الجودة والتميز في المؤسسات الحكومية الخدمية والانتاجية مع عرض تجربتين عربيتين ناجحتين في التطبيق شارك فيهما الباحث .الفصل الخامس: يتناول تقييم الاداء المؤسسي وتدقيق الجودة، أولاً بمدخل الجائزة الأوربية للتميز المؤسسي، وثانياً بمنهج تدقيق ومراجعة نظم ادارة الجودة وتنفيذ أنشطتها (وفقاً للمواصفة العالمية الآيزوISO 9001). آملين ان يحقق الكتاب الغايات المرجوة ويكون مساعداً للقيادات الادارية المختصة والموظفين في المؤسسات الحكومية، لإتخاذ الإجراءات التي تركز على الجودة والاستماع لصوت الآخرين وآرائهم، بهدف تحسين جودة الأداء المؤسسي، بحيث يشعر الجميع بالجودة من حولهم.  واستخدام الكتاب كدليل تطبيقي يساعدهم في تحسين مستوى الخدمات المقدمة، ويساهم في نشر وتعزيز ثقافة الجودة والارتقاء بمستويات الأداء المؤسسي، وأداة لتمكين المؤسسات الحكومية من الوصول للتميز المستدام.

المؤلف: أ.د. محمد عبد الوهاب العزاوي

Share on facebook
Share on twitter
Share on linkedin
Share on whatsapp
Share on email

أحدث​ المقالات

الشلل الرقمي وتأثيره عالمياً

أصبحت التكنولوجيا الرقمية وما يرتبط بها من وسائل التواصل الاجتماعي والهواتف الذكية والمواقع الإلكترونية جزءاً هاماً من حياتنا اليومية ولا يمكن الاستغناء عنها، فجميعنا يتفقد

تفاصيل »

الذكاء الاصطناعي.. ثورة أم تهديد؟

يُعدُّ الذَّكاءُ الاصطناعيُّ، أداةً ثوريَّةً ستُحدِثُ تحوُّلًا هائلًا في كافَّةِ المجالاتِ، خاصَّةً الصناعةَ، فخلالِ السنواتِ القليلةِ المقبلةِ سيتغيَّرُ القطاعُ الصناعيُّ بشكلٍ جذريٍّ، وستحلُّ الربوتاتُ مكانَ

تفاصيل »