منهجية حديثة لقيادة العلامة التجارية

 إن العمل في التسويق في وقتنا هذا مفعمٌ بالإثارة، وقادر على إحداث تحولات جذرية. فما يتميز به التسويق من حيوية وابتكارية قادرتين على صياغة محركات بيئتنا المتغيرة المضطربة وإدارتها- يجعله قوة مركزية في قلب إدارة العلامات التجارية. وهناك عوامل مهمة كثيرة يمكنها تغيير وجه عالمنا، ويمكنها- كذلك- التأثير في الطريقة التي نبني بها علاماتنا التجارية ونديرها. 
أولًا- يتزايد تأثير قوى العولمة والمحلية والفردية معًا في آن واحد. ولكي تنجح العلامات التجارية، يجب أن تستغل هذه الطاقات الثلاث القوية لصالحها. وبالرغم من ازدياد الترابط بين أرجاء العالم، فإنه لا يمكن تجاهل الاختلافات الإقليمية ذات الصلة، فالتجارب التي تتسم بطابع الفردية في تخصيصها، تحظى بتفضيل لدى العميل، سواء أقَدَّمها بشر أم تقنية أم كلاهما. 
ثانيًا- هناك التحدي الديموجرافي الناتج عما يشهده العالم من تزايد مَن هم في سن الشيخوخة، وتزايد مَن هم في سن الشباب في الوقت ذاته، ولذلك فلا نزال نشعر بتأثير جيل الطفرة المتقدم في العمر (المُعَمِّر) مع التأثير المتنامي في الوقت ذاته لجيل الألفية. 
ثالثًا- تحدو بالناس رغبتان متناقضتان في الفردية والجماعية؛ إذ يرغبون في أن يحظوا بالاحترام كأفراد مستقلين، لكنهم كذلك يريدون أن ينتموا إلى مجتمعات يتشاركون مع أفرادها المصالح نفسها. 
رابعًا- يزيد تأثير التكنولوجيا على سلوك العملاء وعلى قوة العقلية المعتمدة على استخدام الهواتف النقّالة، وبوجه خاص، تؤثر زيادة استخدام الهواتف النقّالة وفورية حصول المستهلك على المعلومات على سلوكيات اتخاذ القرار. 
خامسًا- تتراجع الثقة في المؤسسات باستمرار؛ إذ يثق المستهلكون في الآراء التي يبديها أشخاص مجهولون في تقييماتهم للمنتجات، لا في آراء العلامات التجارية أو الخبراء. وهكذا فقدت مرجعيات الثقة الأولى- كالمدارس والحكومات والديانات والنظم القانونية والشركات- مصداقيتها، وحلَّت محلها عائلات وأصدقاء وأقران، سواء في العالم الواقعي أو الافتراضي. 
تتزايد كل تلك العوامل بسرعات مختلفة، ولكن في وقت واحد. فكيف نبني علامات تجارية قوية في هذا العالم المعقد الديناميكي المتغير؟ وبوجه الخصوص، كيف نبني علامات تجارية قوية في عالم تتزايد فيه العولمة والمحلية والفردية في آن واحد؟ تتطلب هذه التحديات إعادة النظر في الطريقة التي تدار بها علاماتنا التجارية العالمية. وتستلزم منهجية جديدة للمسئوليات المؤسسية والطريقة التي نعمل بها معًا. تبث فينا العلامات التجارية العالمية الإحساس بالاتساق والموثوقية واليقين، وتتعامل مع حقائق عامة كالجوع، والوضع العائلي، والأداء، والقبول. ونظرًا لأنها تمتد عبر الحدود الجغرافية، فإنها لا تنتمي لمكان واحد. أما العلامات التجارية المحلية فتبث فينا الإحساس بقوة الصلة لتساعدنا على فهم المكان… مجتمعاتنا، وأحيائنا، وبيوتنا، وأوطاننا. فالعلامات التجارية المحلية تربطنا معًا لكوننا ننتمي إلى أماكن محددة، سواء أكان ذلك ماديًا أم افتراضيًا. أما الخصوصية الشخصية فهي التي تميز كلًا منا كأفراد مستقلين: فالشخصية تعبر عن كينونتنا، وتميزنا عمن سوانا. ولكي تحقق العلامات التجارية النجاح، يجب إدارة الجوانب العالمية والمحلية والشخصية. 
طوال 45 عامًا من الخبرة في العمل التسويقي لدى وكالات وشركات استشارية وعلامات تجارية تدار جميعًا بنظام السلطة الرأسية- تعلمنا أن هناك طريقة أفضل لبناء علامات تجارية عالمية قوية. وعلى مدار السنين، ابتكرنا النموذج الثلاثي التكاملي وطبقنا مبادءه، وهذا النموذج هو الطريقة المثلى لتنظيم العلامات التجارية العالمية وتسويقها. 
يمثل النموذج الثلاثي التكاملي حلًا للصعوبات الكثيرة التي تواجهنا في التسويق العالمي للعلامات التجارية، كما إنه سبيل جيد للمضي قدمًا في ظل هذا العالم دائم التغير. يتسم النموذج بالمرونة، والتجاوب، والملاءمة؛ والأهم أنه يتعامل مع المسائل التنظيمية والفكرية التي تضع عراقيل في سبيل تسويق العلامات التجارية. وتمتد آثار تنفيذ هذا النموذج لجميع أرجاء المؤسسة. لذا، فإنه يشكل أسلوب تفكير جديدًا يسوق التغيير إلى السلوكيات، وفي بعض الحالات، يؤدي إلى إعادة تنظيم المؤسسة. 
يتمثل التحدي الذي يواجه التسويق العالمي في بناء علامات تجارية قوية متسقة على مستوى العالم، وملائمة لسياقها المحلي، ومتميزة على المستوى الفردي. لذا، يبني نموذجنا- قيامًا على المسئولية المشتركة- قوة تسويقية تُمكِّن المؤسسات من حيازة القوة اللازمة للتنافس بفاعلية وكفاءة. 
فما هي العناصر التي نرى أنها الأسباب التي دفعت لابتكار منهجيتنا الجديدة في تسويق العلامات التجارية؟ يغطي هذا الكتاب مسائل كثيرة، وذلك لأن هناك أمورًا كثيرةً مختلفة تحدث على عدة مستويات، وتشمل العلاقات بين الأشخاص، والعلاقات بين العلامات التجارية، وتوافر المعلومات، والتكنولوجيا. وتتميز رؤيتنا بالتكامل البالغ: فالاتجاهات والقوى والتصورات المختلفة باتت الآن مغزولةً في نسيج واحد لتقدم سياقًا جديدًا لتسويق العلامات التجارية. هكذا، سيتعين على الشركات والعلامات التجارية تغيير استراتيجياتها، وستحتاج المؤسسات إلى شيءٍ من إعادة التنسيق؛ وسيتعين أن تصبح المنتجات والخدمات أكثر تركيزًا وأكثر مرونةً. 
ينقسم هذا الكتاب إلى ثلاثة أجزاء: 
– الجزء الأول- السياق المتغير للتسويق العالمي للعلامات التجارية: يصف هذا الجزء عالمنا المتغير، ويضع سياقًا حيويًا قابلًا للتغير لنموذج المربعات الثلاثة التكاملي. 
نلاحظ هنا تطورًا ديموجرافيًا مهمًا يؤثر في التسويق: وهو أن العالم يتزايد شيخوخة وشبابًا في آن واحد. كما نلاحظ التصادم الكبير بين قوى ثلاثة متمثلةً في: زيادة العولمة، وزيادة المحلية، وزيادة الفردية. فنرى صعود ظاهرة نطلق عليها الفردية الجماعية، وصعود القدرة الاتصالية الفائقة. كما باتت مستويات التشكك تتزايد لدى العملاء. أما الثقة، ففي تراجع. 
– الجزء الثاني- النموذج الثلاثي التكاملي: يقدم وصفًا تفصيليًا للنموذج، وما يتعين على الأفراد القيام به من أجل إنجاحه على مستوى العالم. 
سيتطلب عالم التسويق المتغير إجراء تغيير في كيفية تنظيم عملية التسويق؛ بمعنى صياغة أدوار ومسئوليات ومساءلات جديدة، كما إن الإدارة الفعالة لعلامة تجارية تتطلب التكامل بين فرق العمل العالمية والمحلية ومتعددة التخصصات. 
– الجزء الثالث- إنعاش المؤسسة: يركز هذا الجزء على تحقيق التوافق من أجل التنفيذ وقياس التقدم المُحرَز لصالح بناء علامات تجارية قوية. 
كيف نحقق التوافق المؤسسي حول رؤية مشتركة للعلامة تجارية فيما نبني صلةً بين العلامة التجارية وسياقها المحلي؟ وما هي المقاييس العالمية والمحلية التي نستعين بها لقياس التقدم؟ 
يدرس هذا الكتاب تطور التسويق العالمي للعلامات التجارية، ويشرح لِمَ يمثل وقتنا هذا الوقت الحاسم لإجراء تغيير فوري في منهجية التسويق. ونوضح هنا كيفية تنفيذ هذه المفاهيم وكيفية توزيع المسئوليات المؤسسية بنحو يُمكِّن من التغلب على الاضطرابات الطبيعية بين الفرق العالمية والمحلية، وذلك عبر أمثلة محددة. كما نناقش كيف أن هذه المنهجية الجديدة تفيد في توليد قيمة إضافية للعلامة التجارية. ويشكل النموذج الثلاثي التكاملي طريقة عصرية لتنظيم العلامات التجارية العالمية؛ إنه بمثابة هيكل تنظيمي، وطريقة تفكير تهدف إلى مساعدة العلامات التجارية على تدبر أمرها في خضم بيئة تجارية وثقافية واجتماعية واقتصادية معقدة على مدار الساعة. تمد الأفكار الواردة في هذا الكتاب العلامات التجارية بخطة عمل جاهزة للإلمام العملي بالمسائل التي تثيرها الاضطرابات بين حقوق اتخاذ القرار على المستويين العالمي والمحلي، وبدور المركز مقارنةً بدور المناطق الإقليمية، وبفكرة أن العلامات التجارية تُقاد عالميًا، وتدار محليًا. 

المؤلف: لاري لايت / جوان كيدون

Share on facebook
Share on twitter
Share on linkedin
Share on whatsapp
Share on email

أحدث​ المقالات

الشلل الرقمي وتأثيره عالمياً

أصبحت التكنولوجيا الرقمية وما يرتبط بها من وسائل التواصل الاجتماعي والهواتف الذكية والمواقع الإلكترونية جزءاً هاماً من حياتنا اليومية ولا يمكن الاستغناء عنها، فجميعنا يتفقد

تفاصيل »

الذكاء الاصطناعي.. ثورة أم تهديد؟

يُعدُّ الذَّكاءُ الاصطناعيُّ، أداةً ثوريَّةً ستُحدِثُ تحوُّلًا هائلًا في كافَّةِ المجالاتِ، خاصَّةً الصناعةَ، فخلالِ السنواتِ القليلةِ المقبلةِ سيتغيَّرُ القطاعُ الصناعيُّ بشكلٍ جذريٍّ، وستحلُّ الربوتاتُ مكانَ

تفاصيل »