التعلم العميق …الفلسفة …التطبيقات ..والآفاق

إن أول خمس آيات نزلت من القرآن الكريم من ربِّ العالمين على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم تؤكد على أهمية العلم وفضله وضرورة تحصيله وطلبه، كما في قوله تعالى: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ*خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ* اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ* الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ) (سورة العلق، الآيات 1 – 5).وكان الرسول (صلى الله عليه وسلم) أول من اتخذ المسـجد مكاناً للتعليم، وقد حثَّ الإسلام أبناءه على الاجتهاد في تحصيل العلم فقال(صلى الله عليه وسلم) (من سلك طريقاً يبتغي فيه علماً سهّل الله له طريقاً إلى الجنة).إن ارتقاء الامم ونهوض حضارتها لا يتحقق دون سلاح العلم، وعلى المستوى الفردي لا يكسب الانسان الاحترام والتقدير من قبل الآخرين الا بقدر العلم الذي تعلمه ويسخره لخدمة البشرية. وبالتالي فأنه ضرورة من ضرورات الحياة، وهو الركيزة الأساسية للتطور الاقتصادي والاجتماعي .وفي عصر الثورة الصناعية الرابعة تواجه معظم الدول النامية ومنها دولنا العربية نقصاً في المواهب الابتكارية، وهي غالباً ما تلجأ  لاستقطابها من الدول المتقدمة لتطوير قدراتها، كون هذه المواهب هي وحدها القادرة على اغتنام الفرص وإحداث التغيير والتحديث.وقد كشف تقرير أصدرته اليونسكو إن أعلى نسبة أمية في العالم توجد في الوطن العربي، والقراءة هي آخر اهتمامات المواطن العربي. ونشرت الأمم المتحدة في تقريراً يتعلق  بعادات القراءة في دول العالم، ومنه يتضح أن معدل ما يقرأه الفرد في الدول العربية سنوياً هو ربع صفحة فقط. أما تقرير مؤسسة الفكر العربي فقد بين أن متوسط قراءة الفرد في الدول الاوربية يبلغ (200) ساعة سنوياً، بينما لا يتعدى المتوسط العربي 6 دقائق.وقدر تعلق الامر بجودة التعليم، أظهر مؤشر دافوس الخاص بجودة التعليم حالة غير مشرقة للبلدان العربية تمثلت بخروج ستة دول عربية من التقييم هي سوريا والعراق وليبيا واليمن والسودان والصومال، فضلاً عن حصول المغرب وعمان والجزائر وموريتانيا ومصر على التسلسلات بين 101و139 عالمياً ضمن 140 ﺩﻭﻟﺔ تضمنها ﻣﺆﺷﺮ ﺍﻟﺠﻮﺩﺓ. وقد احتلت دولة ﻗﻄﺮ المرتبة ﺍﻷﻭﻟﻰ ﻋﺮﺑﻴﺎُ  ﻭالمرتبة ﺍﻟﺮﺍﺑﻌﺔ ﻋﺎﻟﻤﻴﺎ، واحتلت ﺍﻹﻣﺎﺭﺍﺕ ﺍﻟﻤﺮﺗﺒﺔ ﺍﻟﻌﺎﺷﺮﺓ تلتها لبنان ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺮﺗﺒﺔ 25 ، ﺛﻢ ﺍﻟﺒﺤﺮﻳﻦ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺮﺗﺒﺔ 33 ، ﻓﺎﻷﺭﺩﻥ ﻓﻲﺍﻟﻤﺮﺗﺒﺔ 45 ﻋﺎﻟﻤﻴﺎ ﻭﺍﻟﻤﻤﻠﻜﺔ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﺍﻟﺴﻌﻮﺩﻳﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺮﺗﺒﺔ 54. وأفادت وثيقة صدرت عن معهد اليونسكو للإحصاء أنّ نسبة الأطفال في المرحلة الابتدائية غير الملتحقين بالمدارس لم تتغير خلال العقد الماضي،  حيث إنّ 9% من الأطفال فى المرحلة الابتدائية (من 6 إلى 11 عاماً) ، أو 63 مليون طفل غير ملتحقين بالمدارس.  وهذه المؤشرات تعكس أن جودة التعليم العربي في خطر.يسعى هذا الكتاب لالقاء الضوء على أبرز التحولات التي أفرزتها تطبيقات الذكاء الاصطناعي، والتي يشهد العالم آثارها على مختلف الجوانب الاقتصادية والإجتماعية والسياسية ، وحاولنا أن نزيل الغموض حول مفهوم التعلم العميق الذي يعلم الحاسوب كيفية تصفية الملاحظات في شكل صور أو نصوص أو أصوات، من أجل تعلم كيفية التنبؤ بالمعلومات وتصنيفها. والتعلم العميق مستوحى من الطريقة التي يقوم بها العقل البشري بتصفية المعلومات من أجل خلق بعض السحر الحقيقي لمنع ارتكاب الأخطاء وتشويه الحقائق. يقدم هذا الكتاب مفاهيم التعلم المعاصرة بلغة سهلة للمختصين في المؤسسات التعليمية العربية، في مسعى لتحفيزها لتطوير أدوات التعلم في المدرسة العربية، وتطوير البنى التحتية في مؤسساتنا الجامعية على وجه الخصوص وهي تدخل عصر الثورة الصناعية الرابعة. ولابد أن يؤمن صانعي سياسات التعليم أنه مهما بذل من جهود لتطوير نظام التعليم ، ومهما انفق من استثمارات على قطاع التعليم، فإنه يحتاج إلى تطوير وتجديد مستمر، وذلك من خلال إيجاد حلول للمشكلات التي تواجهها الجهات المكلفة من وزارات وجامعات ومؤسسات تعليمية، وخاصة ما يتعلق منها بمخاطر التأخر التكنولوجي ، وغيرها من التحديات التي تواجه التعليم التقليدي. ولا بد أن يعي صانعو السياسات أنه كلما ارتقى مستوى التعليم في بلدانهم زادت قدراته على مواجهة التحديات.يسعى الكتاب لاستشراف تأثير هذه الثلاثية(الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي والتعلم العميق) على تطور قدرات مؤسساتنا العربية التعليمية بعد دخولنا في عصر الثورة الصناعية الرابعة. ولقد سعينا للاطلاع على اكبر عدد ممكن من المراجع ذات العلاقة التي قاربت مائة مرجعاً ومصدراً علمياً فضلاً على البحوث المنشورة على شبكة المعلومات، يتضمن الكتاب ثمانية فصول، يتناول الفصل الاول التعليم والتعلم ومراحل تطور التعليم ومستقبله، حيث يستعرض مفهوم التعلم والتعليم، ومراحل تطور التعليم، ويتناول تجارب المدارس الالمانية والفنلندية، والتحديات التي تواجه المدارس العربية ومدارس المستقبل.ويركز الفصل الثاني على تقنية الذكاء الاصطناعي والأنظمة أو الأجهزة التي تحاكي الذكاء البشري، مستعرضاً تقنية الذكاء الاصطناعي وعلم البيانات، وقدرات الذكاء الاصطناعي، وإستخدامه في التعليم. في حين يتناول الفصل الثالث العلاقة بين الذكاء الاصطناعي والتعلم العميق، ويناقش العلاقة بين التعلم العميق والذكاء الصناعي، ومستقبل صقل وتنمية المواهب المبتكرة، والتعلم النشط وتقنية الحائط الرقمي وتطورات العلوم الرقمية والتعليم في المستقبل.أما الفصل الرابع فيركز على الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي، وعلاقة التعلم الآلي والتعلم العميق، كما يوضح انواع التعلم وكيفية الانتقال الى التعلم العميق. ويتناول الفصل الخامس التعلم العميق والتعليم الرقمي، من خلال البيئة التفاعلية للتعلم العميق، والتوجهات العالمية في  التعلم العميق، والاجهزة اللوحية والتعلم العميق، والاندماج  بتكنولوجيا التعليم الرقمي، والأمية الرقمية وتحديات التعلم العميق، والامية الرقمية والمهارات الاساسية، ووسائل معالجة الامية الرقمية.ويناقش الفصل السادس التعلم العميق والشبكات العصبية، وتطبيقات الشبكات العصبية والتعلم العميقوفوائد التعلم العميق، و مخاطر التعلم العميق. وخصص الفصل الفصل السابع لموضوع الروبوت الاجتماعي والتعلم العميق. والتعلم المخطط للاطفال، والتعلم المقلوب ،والتعليم الأقل تدخلاً وتجربة الثقب في الجدار، وبيئة التعلم المنظم ذاتياً وسلوك التعلم التراكمي، والتعلم باستقلالية، وتدخل المعلم  في توفير المعلومات.ويتناول الفصل الثامن  والاخير الحوسبة السحابية والتعلم العميق. من خلال التركيز على اساسيات الحوسبة السحابية ، وأنواع الحوسبة السحابية وعلاقتها بالتعليم الالكتروني، والمدرسة والجامعة الرقمية السحابيةوتحديات الحوسبة السحابية في  مؤسسات  التعليم العربية ، ومتطلبات استخدام الحوسبة السحابية في التعليم، وتطبيقات النظم الخبيرة.  لقد شاركنا في مراجعة وتقويم  الكتاب نخبة خيرة من الزملاء الاكاديميين والمختصين، وهم كل من:•الاستاذ الدكتور يحيى توفيق الراوي رئيس جامعة بابل والكوفة والمستنصرية/ العراق سابقاً.•الاستاذ الدكتور عماد فخري الشيخلي مسؤول البحث العلمي/ كلية تكنولوجيا المعلومات والاتصالات/ الجامعة الاسلامية العالمية/ماليزيا . •الاستاذ الدكتور عبيد الزوبعي /  استاذ الاحصاء/جامعة جيهان/ العراق.•الاستاذ الدكتور محمد العاني. •الاستاذ الدكتور نشوان عبد الرزاق عبد الوهاب / استاذ الاقتصاد الزراعي /مستشار الشركة العربية للاستثمارات الزراعية سابقاً.•الاستاذ الدكتور علاء السالمي / استاذ المعلوماتية والاحصاء الجامعة المستنصرية سابقاً وخبير التخطيط الاستراتيجي في كلية الشرطة/قطر.فلهم كل الشكر والتقدير على جهودهم في مراجعة الكتاب وتقويمه. وتبقى المسؤولية العلمية والأدبية على عاتق المؤلفين.  وأخيرا نأمل أن يكون هذا الكتاب مساهمة متواضعة لخدمة التعليم في بلداننا العربية وهي تتطلع لمستقبل مشرق.  

المؤلف: أ.د. محمد عبد الوهاب العزاوي

Share on facebook
Share on twitter
Share on linkedin
Share on whatsapp
Share on email

أحدث​ المقالات

الشلل الرقمي وتأثيره عالمياً

أصبحت التكنولوجيا الرقمية وما يرتبط بها من وسائل التواصل الاجتماعي والهواتف الذكية والمواقع الإلكترونية جزءاً هاماً من حياتنا اليومية ولا يمكن الاستغناء عنها، فجميعنا يتفقد

تفاصيل »

الذكاء الاصطناعي.. ثورة أم تهديد؟

يُعدُّ الذَّكاءُ الاصطناعيُّ، أداةً ثوريَّةً ستُحدِثُ تحوُّلًا هائلًا في كافَّةِ المجالاتِ، خاصَّةً الصناعةَ، فخلالِ السنواتِ القليلةِ المقبلةِ سيتغيَّرُ القطاعُ الصناعيُّ بشكلٍ جذريٍّ، وستحلُّ الربوتاتُ مكانَ

تفاصيل »