القيادة المتواصلة

 يُعبر مئات القادة الذين ألتقي بهم كل عام عن مجموعة كبيرة من القضايا والشواغل المتعلقة بأعمالهم ومجالهم المهني ومدى فعاليتهم في أداء أدوارهم، وأحيانًا أيضًا عن تأثيرهم في المجتمع والشركات التي يرأسونها، ويتحدثون عن مشكلات الاستجابة للشك والتغيير، وإيجاد المواهب ورعايتها والاحتفاظ بها، وعن الضغوط المصاحبة لإدارة المنظمات التي تزداد تعقيدًا حتى عندما يوظفون عددًا أقل من الأشخاص.
إن أحد الأسباب التي تجعل القادة يجدون صعوبة في أن يضطلعوا بدور القيادة هو أن عقولنا والخوارزميات التي تصف كيف نتفاعل مع العالم خارج ذواتنا لم تتطور بالقدر الكافي كي تتعامل مع الشركات الكبيرة، ويبدو أن الحد الأقصى لحجم المجموعة التي يمكننا أن نشعر بمستوى عالٍ من العمل التعاوني معها أو الهوية الاجتماعية هو ما يقرب من مِئة وخمسين فردًا، ويتعين على القادة داخل منظماتهم إدارة فرق عمل مؤلفة من مجموعات، مع مجموعة مشتركة من الأعضاء في كثير من الأحيان، كما يتعين عليهم أن يتدبروا أمر الحدود بين هذه المجموعات وبين المنظمة والعالم الخارجي، أو يُهيئوا الظروف التي يستطيع فيها الآخرون تدبر ذلك الأمر.
لحسن الحظ، بعض الحلول موجودة بالفعل؛ حيث أصبحت القيادة موزعة على نحو متزايد، ومع استخدام الأدوار الثلاثة التي تحدد الحاجة إلى التغيير وتحديد كيفية إحداثه وتنفيذه، لم نعد بحاجة إلى أن يقتصر الأمر على شخص واحدٍ أو مستوى واحدٍ من الإدارة. فقد أتاحت الشبكة الداخلية (الإنترنت) الإمكانية لأي شخص في المنظمة يرغب في الانخراط في أي من هذه الأدوار الثلاثة القيام بذلك فكل ما يحتاجه الأمر هو قادة قادرون على المشاركة في تلك الأدوار من خلال الدعوة للمشاركة، ويمكننا القول إن أولئك الذين يشاركون على نحو أكبر من المحتمل أن يكونوا هم القادة الموهوبين الأكثر احتمالاً في المستقبل.
منذ أكثر من عشرين عامًا، قمنا أنا ووالتر جولدسميث (Walter Goldsmith)، شريكي في التأليف، بصياغة مصطلح Simplexity (التبسيط) – أي فن تحويل المسائل المعقدة إلى أمور بسيطة، ولكن ليست مبسطة تافهة. وبالنسبة لقادة اليوم، فإن التحدي الأساسي يتمثل في القدرة على فهم تعقيد بيئة عملهم والتعرف على الأنماط البسيطة التي تدفع هذا التعقيد في الوقت نفسه، وهو يعني أيضا المشاركة الكبيرة مع المنظمة وبيئتها، ولكن في الوقت نفسه القدرة على التراجع عما يحدث لتحقيق التفاهم الذي يأتي من وجهة نظر منهجية على مدى أطول، كما يتعلق أيضًا بالاعتراف بتجربتهم الخاصة وافتراضاتهم التي تشوه فهمهم وانفتاحهم على البدائل والرغبة في التشكيك في الآخرين وفي أنفسهم.
يوضح الترابط هذه القدرة بأن تكون في النظام وأن تكون لديك القدرة على مراقبته من الخارج على حد سواء. إنها مهارة (أو بشكل أكثر دقة، مجموعة من المهارات) تصبح ضرورية على نحو متزايد كلما ترقى الأشخاص في مستويات القيادة. ولا أعرف من الذي صاغ مصطلح “القائد المتواصل” لأول مرة. فالمصطلح عبارة عن وحدة ثقافية ظهر منذ أقل من عقد مضى، وقد استخدمت هذا المصطلح لأول مرة في كتاب في عام 2012 (The Talent Wave, Kogan Page). وجوهر المصطلح هو أن القادة المتواصلين أظهروا عددًا من السلوكيات التي جعلت من المرجح أن يكون لديهم وعي عالٍ بما يحدث داخل منظماتهم وبيئاتهم الخارجية، وأن يكونوا قادرين على استخدام هذا الوعي لضمان أن يقوموا هم والأشخاص الآخرون في المنظمة باتخاذ قرارات أفضل وأسرع في الاستجابة للتغيير. وكان من بين هذه السلوكيات والصفات هو الانخراط مع الموظفين من خلال التدريب والتوجيه والتشجيع وتسهيل المعارضة البناءة ومعرفة نقاط القوة والضعف لديهم، وأن يصبحوا نماذج يُحتذى بها للقيم الأساسية والتعلم والتواضع والتواصل على نطاق واسع مع العالم الخارجي مع التركيز بشكل أكبر على طرح الأسئلة المناسبة بدلاً من امتلاك الإجابات الصحيحة وشعور عميق بالمُثل الأخلاقية العليا.
في كتاب القيادة المتواصلة، جمع سايمون هايوارد العديد من الموضوعات التي تكمن وراء مفهوم القائد المتواصل وتوفير سياق وعمق لهذه السلوكيات؛ حيث توفر النماذج العملية هيكلاً وإطارًا لتحويل مفهوم فكري مثير للاهتمام ووثيق الصلة بالموضوع إلى أدوات ومناهج عملية يمكن للمنظمات استخدامها لتطوير أجيالها القادمة من القادة والتي يمكن لقادة اليوم تطبيقها على عمليات التنمية الخاصة بهم.
بروفيسور ديفيد كلوتربوك، مؤلف ومدير David Clutterbuck Partnership

المؤلف: سايمون هايوارد

Share on facebook
Share on twitter
Share on linkedin
Share on whatsapp
Share on email

أحدث​ المقالات

الشلل الرقمي وتأثيره عالمياً

أصبحت التكنولوجيا الرقمية وما يرتبط بها من وسائل التواصل الاجتماعي والهواتف الذكية والمواقع الإلكترونية جزءاً هاماً من حياتنا اليومية ولا يمكن الاستغناء عنها، فجميعنا يتفقد

تفاصيل »

الذكاء الاصطناعي.. ثورة أم تهديد؟

يُعدُّ الذَّكاءُ الاصطناعيُّ، أداةً ثوريَّةً ستُحدِثُ تحوُّلًا هائلًا في كافَّةِ المجالاتِ، خاصَّةً الصناعةَ، فخلالِ السنواتِ القليلةِ المقبلةِ سيتغيَّرُ القطاعُ الصناعيُّ بشكلٍ جذريٍّ، وستحلُّ الربوتاتُ مكانَ

تفاصيل »