بناء الحكومة الإلكترونية: لمواطني القرن الحادي والعشرين

 تعمل الحكومة الإلكترونية كاملة الخدمات، على جعل التواصل بين المواطنين والشركات والحكومة أكثر شفافية، وتفتح المجال لإمكانات جديدة لطريقة تقديم المعلومات، والوصول إليها. وبطبيعة الحال، في هذا السيناريو، يكون الاتصال الآمن، والمعالجة السرية لمعاملات البيانات الشخصية على رأس الأولويات. وعلى هذا، يجب ألا تقتصر الحكومة الإلكترونية على مجرد تحسين الخدمات، وتوفير التكاليف، ورفع كفاءة عمليات العمل، وتمكين العمل المستقل، وإنما ينبغي أن توفر الحكومة الإلكترونية المتحولة، المزيد من الفرص لمواطنيها للمشاركة، وأن يكون لهم صوت في الشؤون المجتمعية.
وللحكومة الإلكترونية مكونان رئيسان: «الحكومة»: وهو المكوّن الذي يتضمن حكومة متصلة، و «الإلكترونية»: وهو المكوّن المتعلق بإدارة التكنولوجيا، يجتمع هذان المكونان لتوفير تجربة وصول سلسة للمواطن. ويعزّز المكونان معًا الجودة الشاملة للسكان، الذين بحاجة إلى الوصول إلى الخدمات الحكومية. وفي أي سيناريو يتضمن الحكومة الإلكترونية، تكون التكنولوجيا أول ما يُدار جنبًا إلى جنب مع احتياجات الحوكمة. ويتمثل العامل الرئيس، الذي يمكن أن يحقق هذا الدمج، ويوفر التجربة الإلكترونية السلسة، التي نسعى إليها كثيرًا في هوية المواطن الموّحدة، أو برنامج الهوية الوطنية. كما يُعدُّ مشروع الحكومة الإلكترونية نظامًا بيئيًّا للموارد والعمليات والتقنيات. وتعمل هذه المكونات الثلاثة بتنسيق وثيق حال تنفيذ أي مشروعات.
وعلى الرغم من أن التكنولوجيا أصبحت أكثر سلاسة، وغير ظاهرة، بحيث يمكن «إخفاؤها» تقريبًا عن المستخدمين؛ فقد أصبحت ذات هيمنة. وبالتأكيد فإن أولئك الذين يجـيدون استخدام الكمبيوتر، يجدون أن التصفح أصبح أكثر سلاسة أو شفافية، ومع ذلك، لا يزال هناك الكثير ممّن ليست لديهم أجهزة كمبيوتر، والبعض لا يملكون حتى هواتف محمولة. وهو ما يعني أن الحوسبة لا تخدم سوى هؤلاء الذين يستخدمون أجهزة الكمبيوتر. وفي ظل الحكومة الحالية واسعة الانتشار، تمثل التكنولوجيا وسيلة لتحقيق غاية، ومن ثَمَّ، ينبغي عدم التركيز عليها بصفة أساسية، كي نتيح الفرصة للمستخدمين بالتركيز على «المهمة»، التي يقومون بها تركيزًا كاملاً. ومن ناحية أخرى، فإن توفير الخدمات العامة يتمحور حول المواطن، ولا تستطيع الحكومات اختيار عملائها، ولا كيفية تقديم الخدمات لهم؛ حيث إنه تقع على عاتق الحكومات المسؤولية الأكبر المُتمثلة في خدمة جميع المواطنين، سواء كانوا يجيدون التعامل مع الكمبيوتر أم لا. ومن هذا المنطلق، يتعين على الحكومات مواجهة تحدي «الفجوة الرقمية» (Digital Divide).
وفي هذا السياق، يُمثل المواطن أحد العناصر المحورية لأي برنامج حكومة إلكترونية، ولذلك فإن بطاقة هوية وطنية من نوع ما تمثل أمرًا ضروريًّا؛ حيث توفر هوية فريدة للمواطن. وعندما يتم توفير هذه الهوية، كملف تعريف هوية رقمي، لا يتمتع الشخص فقط بالقدرة على التعامل في الوسط الرقمي، إنما ينبغي أن تكون لديه – أيضًا – أداة تعريف مشتركة، يمكن استخدامها في جميع الإدارات الحكومية. وهو ما يمثل عامل الدمج، الذي يضمن استخدام المفتاح الأساسي نفسه عبر جميع قواعد البيانات الحكومية؛ ومن ثمَّ، توفير تجربة سلسة للمواطن عبر جميع الجهات الحكومية.
وهنا نجد أن الأبعاد المختلفة لمشروعات الحكومة الإلكترونية مُعقدة للغاية، وهو ما يجعل أهمية وجود مشرف فعّال ونشط للمراقبة والتقييم أمرًا غير قابل للتفاوض. ومن أجل الحصول على حكومة إلكترونية ذات فاعلية قوية، يجب وضع إطار كهذا لقياس المخرجات والنتائج، والتأثير الكلي لتوفير المعلومات اللازمة لاتخاذ قرارات مستنيرة، فيما يتعلق بتنفيذ الخدمات الإلكترونية.
وتوشك دول مجلس التعاون الخليجي، التي تقود العالم الآن في العديد من الجوانب: (الاقتصاد، والطاقة، والنفط، والبنية التحتية، والتمكين الاجتماعي، والرفاهية، والتنمية، والتحضر)، على الشروع في رحلة إلكترونية ديناميكية جديدة؛ لإنشاء واحدة من الأطر الحكومية الذكية الأكثر تطورًا. وهو ما يعمل على دمج جميع مبادرات الحوكمة الإلكترونية الحالية، التي تحسِّن النظام البيئي الوطني القائم على الهوية، ومنصة التمكين، ويعمل على تحويلها مرة أخرى. وبناءً على ذلك، فإن دول مجلس التعاون الخليجي بصدد إيجاد فرص من نوع جديد؛ بحيث تنطوي على أنظمة للهوية الذكية الآمنة، وبيانات اعتماد للهوية الشخصية، من شأنها تغيير مشهد النشاط الاقتصادي.
ما الذي يجري؟ إن هذه الدول تمهد الطريق للمراحل المبكرة لما يُعرف الآن باسم الحكومة المحمولة (Mobile government). وقد صُممت الأجهزة المحمولة، في المقام الأول، لتكون وسائل للاتصال، أمّا الآن فتم تضمين بعض الميزات والوظائف، الأقل شيوعًا، أو ربما، المستحيلة في إطار نموذج الحكومة الإلكترونية، مثل: القدرة على الاتصال بالمكاتب الحكومية مباشرة عبر الهاتف، أو تلقي الرسائل النصية الآلية المحتوية على أخبار أو معلومات طارئة في المراحل المبكرة من الحكومة المحمولة. ومع تقدم الحكومة المحمولة تمت إضافة وظائف أكثر تقدمًا، بما في ذلك إمكانية التصويت الإلكتروني، والمشاركة في الاستطلاعات عبر الإنترنت، وبسبب طبيعة انتشار تكنولوجيا الهاتف المحمول، من المتوقع زيادة الاستخدام عنه في الوظائف المماثلة، التي لم تكن مُتاحة سوى عن طريق استخدام أجهزة الكمبيوتر التقليدية.
والآن يأخذنا هذا الكتاب خطوة بخطوة إلى ما بعد الواقع الحالي للحكومة الإلكترونية؛ لنطلع على التصميم المبتكر للحكومة المحمولة الحالية، كما سيتضح – هنا – في استخدامها الديناميكي في دول مجلس التعاون الخليجي.

المؤلف: أ.د. علي محمد الخوري

أكتوبر 2021

Share on facebook
Share on twitter
Share on linkedin
Share on whatsapp
Share on email

أحدث​ المقالات

الشلل الرقمي وتأثيره عالمياً

أصبحت التكنولوجيا الرقمية وما يرتبط بها من وسائل التواصل الاجتماعي والهواتف الذكية والمواقع الإلكترونية جزءاً هاماً من حياتنا اليومية ولا يمكن الاستغناء عنها، فجميعنا يتفقد

تفاصيل »

الذكاء الاصطناعي.. ثورة أم تهديد؟

يُعدُّ الذَّكاءُ الاصطناعيُّ، أداةً ثوريَّةً ستُحدِثُ تحوُّلًا هائلًا في كافَّةِ المجالاتِ، خاصَّةً الصناعةَ، فخلالِ السنواتِ القليلةِ المقبلةِ سيتغيَّرُ القطاعُ الصناعيُّ بشكلٍ جذريٍّ، وستحلُّ الربوتاتُ مكانَ

تفاصيل »