التجارة العابرة للكواكب!

ولعل مما يجدر الإشارة إليه، باعتبارات مستقبلية أيضاً، أن الاعتقاد بأن الكون ليس سوى سياق يدرس فيه تطور البشرية وخاص بحياة الإنسان فيه، هو اعتقاد ستبطله اكتشافات المستقبل المتعلقة بالفضاء والتي بدأت للتو، أي أننا على أعتاب مرحلة جديدة من المعرفة الإنسانية تتعلق بالآخر.

ولكن ليس على الصعيد البشري، بل على صعيد كوني، قد يكون بشرياً وقد يكون شيئاً آخر تماماً، أي أننا بصدد اكتشاف حيوات جديدة لكائنات جديدة لم يألفها الإنسان من قبل، وكان بمنأى دائماً عن معرفتها كنتيجة طبيعية لانشغاله بالحدود الضيقة للحس المعرفي الإنساني.

في السنوات القليلة الماضية، كان هناك هاجسان يسيطران على الوعي الإعلامي العالمي، وكانا أهم ما يمكن ملاحظته في سياق الأخبار اليومية وفي سياق الاعتبارات الحكومية لدى أهم الدول في العالم وأقواها، يتمثلان في غزو الفضاء وزيارات الكوكب الأحمر، والآخر رصد كائنات غريبة وجسيمات تبدو فضائية في المدارات الجوية لكوكب الأرض.

وبالربط بينهما نكتشف أن الكائن البشري ليس الوحيد في هذا الكون الذي يمتلك قدرات عقلية تمكّنه من السيطرة على بقية المخلوقات الموجودة، وإذا كان تفوّقه نتيجة لذكائه، قد سمح له بالريادة على كوكب الأرض، فقد لا يتحقق له ذلك على الصعيد الكوني في حال كان هناك كائنات أخرى؛ قد تنشب حروب من أجل ذلك مع تلك الكائنات وذلك الآخر في الكون، وقد يعيش حالة سلام معها قوام فكرته تبادل المصالح فيستعين بما لدى ذلك الآخر ويستعين الآخر بما لديه.

بلا شك، وبناء على الفكرة الأخيرة القائمة على السلام وتبادل المصالح، فإنه لا بد من ازدهار حقول الصناعات والتجارة العابرة للكواكب، إنها التجارة الكونية التي قد تفتح رحلاتها أيضاً آفاقاً جديدة ليس فقط للكائن البشري بل ولكل الكائنات في الكون، ليصبح الهاجس المستقبلي الجديد هو غزو الأكوان الأخرى وهنا سيكون التفكير بطريقة النظرية النسبية والأكوان المتعددة التي قدمها عالم الفيزياء «إينشتاين».

إن عالم الفضاء واقعٌ، وجوده وعدم وجوده مرهونٌ بقياسه، وهذا ما نتحدث عنه هنا، ولعل أهم الأدوات التي يجب أن يمتلكها الإنسان لتغيير الحالة المعرفية الراهنة ليس المعرفة في حد ذاتها، ولكن الخيال الذي يجعل المعرفة التي يصمّمها الخيال قابلة للبلوغ والوصول إليها، فبعد اتضاح بعض ملامح المستقبل الذي بدأ برحلات استكشافية إلى الفضاء واستكشاف ما يحتويه ستأتي النظريات والمؤلفات الإبداعية التي ستتحدث بالضرورة عن الكونية تباعاً، تماماً مثلما سوغت الابتكارات للحديث عن العولمة ذات يوم.

ومن جملة ذلك الحديث عن الكونية سيكون ثمة سياق لا بد من الحديث عنه وهو سياق التجارة العابرة للكواكب قوام الاقتصاد المستقبلي، للبشرية وللآخر الذي يعيش هناك؛ وقد يكتشف الإنسان في لحظة ما أن اكتشاف الفضاء يعني التكيف مع نظام جديد وليس النظام المعرفي العالمي سوى عتبة مهدت للوصول إليه، وله بالضرورة اقتصاد يقوم عليه، وعليه بالضرورة حينها أن يتكيف معه ويعيش في سياقاته، ويلتزم بدواعي متطلباته فكراً وقولاً وعملاً. وللحديث بقية.

البيان_20يونيو 2021


Share on facebook
Share on twitter
Share on linkedin
Share on whatsapp
Share on email

أحدث​ المقالات

الشلل الرقمي وتأثيره عالمياً

أصبحت التكنولوجيا الرقمية وما يرتبط بها من وسائل التواصل الاجتماعي والهواتف الذكية والمواقع الإلكترونية جزءاً هاماً من حياتنا اليومية ولا يمكن الاستغناء عنها، فجميعنا يتفقد

تفاصيل »

الذكاء الاصطناعي.. ثورة أم تهديد؟

يُعدُّ الذَّكاءُ الاصطناعيُّ، أداةً ثوريَّةً ستُحدِثُ تحوُّلًا هائلًا في كافَّةِ المجالاتِ، خاصَّةً الصناعةَ، فخلالِ السنواتِ القليلةِ المقبلةِ سيتغيَّرُ القطاعُ الصناعيُّ بشكلٍ جذريٍّ، وستحلُّ الربوتاتُ مكانَ

تفاصيل »