الحكومة الذكية: خيار أم ضرورة….؟!

لم تعد الحكومة الذكية اليوم خياراً بل أصبحت مطلباً استراتيجياً للحكومات وفق ما أفرزته المستحدثات التقنية وخاصة الثورة التقنية الرابعة من وسائل اتصال تقني واسع ومتطور مستمرين.  إذ أصبحت الحكومة الذكية مطلباً بل تجاوزت ذلك في بعض الدول إلى أن أصبح التحول الرقمي في كافة المجالات هدفاً استراتيجياً لهذه الحكومات وذلك لتنتقل من وضعها التقليدي إلى الحديث المرتكز على وصول الخدمة للمستفيد أو العميل بشفافية وتجازاً لحدود المكان والزمان، بما يقنن ويساعد في تنفيذ الأعمال والأنشطة الحكومية ويحقق رضا المستفيد، إضافة إلى تقليص العديد من النفقات التشغيلية وإجادة تقديم تلك الخدمات لكافة المستفيدين واتساع تقديمها لكافة المستهدفين.

 الانعكاسات الإيجابية لتطبيق الحكومة الإلكترونية والتحول الرقمي لتقديم الخدمات الحكومية

هناك العديد من الانعكاسات الإيجابية لتطبيق الحكومة الإلكترونية، والتي يمكن عرضها على عدة مستويات.  الأول منها يتعلق بالعمل الحكومي نفسه حيث تحول هذا العمل في تقديم وإيصال الخدمة للمستفيد، حيث طورت هذه الخدمة من مفهوم الخدمة، وأصبحت بدلاً من أن تكون مطلوبة من العميل أو المستفيد فقد حولت هذه الخدمة إلى أن تكون مقدمة له وبجودة عالية، وبالتالي طورت وغيرت مفهوم الحكومية من وضعها التقليدي في التعامل إلى وضعها الحديثة في خدمة المستفيد والوصول إليها وتحقيق تطلعاته.

المستوى الثاني على مستوى العميل نفسه أو المستفيد، فكانت الانعكاسات الإيجابية أن المستفيد أصبح يتلقى هذه الخدمة دون فرض لحدود المكان والزمان، واستثمار وقته في الحصول والوصول إليها، إضافة إلى الشفافية والعدالة في الاستفادة من تلك الخدمة، كما سهلت الحكومة الإلكترونية من عملية الاتصال والتواصل وكذلك الوصول إلى الخدمة بالعديد من الوسائل والطرق، كما طورت من عملية الاستفادة من ذلك المستفيد من خلال الاستماع إلى صوت العميل في أي وقت ومن أي مكان، وبالتالي وضعته شريك في بناء تلك الخدمات وتطويرها.

أما المستوى الثالث فيأتي على مستوى الخدمة نفسها، فأصبحت تلك الخدمة تقدم بشكل ميسر ومتقن، وتضمنت الجودة في تقديم تلك الخدمات والاستدامة في تقديمها دون انقطاع، وكذلك شهدت تلك الخدمات تطوراً ملحوظاً في تقديم نوعية تلك الخدمات وتنوعها، وأصبحت الجهات الحكومية تتنافس بشكل كبير من خلال وسائل تقنية المعلومات في تقديم خدمات متنوعة وذات جودة عالية.

التحديات التي تواجه انتقال الحكومة من الوضع التقليدي إلى الشكل الرقمي

رغم النجاحات التي تحققت للحكومات ضمن استثمارها الثورة التقنية الرابعة ووسائطها المتعددة، إلا أن هناك العديد من التحديات.  يمكن تصنيف تلك التحديات إلى: (1) تحديات اجتماعية، ويقصد بها مدى جاهزية المجتمع ثقافة وتعليماً وتدريباً لتحقيق عملية التحول بيسر وسهولة، وهذا التحدي يتطلب التثقيف والتوعية والتعليم والتدريب المستمرين لضمان جاهزية المجتمع لعملية التحول، ولعل هذا العامل قد يتلاشى مع أجيال التقنية القادمة التي بدورها ستنشأ وتترعرع مع التقنية. (2) التحدي الاقتصادي والذي يتطلب العديد من النفقات التشغيلية والمصروفات المادية المتمثلة في الميزانيات المتعددة التي ينبغي تخصيصها لتحقيق التحول التقني بيسر وسهولة، ولعل هذا التحدي يتلاشى من خلال تحديد الاحتياجات الدقيقة لعملية التحول ومن ثم تخصيص الميزانيات المناسبة وتحقيق أهداف التحول تدريجياً.  (3) التحدي التقني والذي يقصد به أهمية المواكبة والاتساق مع التقنيات المتطورة بشكل مستمر، وهذا يضع كثير من الحكوميات والمؤسسات في تنافس وسباق مستمرين للحاق بهذا التسارع التقني، ولعل أيضاً تحديد الاحتياجات بدقة يمكن أن يساهم في الاستفادة بشكل أمثل من تلك التطورات المتلاحقة وفق الاحتياجات بدقة لتلك الحكومات.

إنجازات على طريق التحول الرقمي

حققت إجمالاً الدول العربية العديد من الإنجازات في العقدين الماضين من خلال استثمار العديد من التطبيقات التقنية الشائعة، وبدأت الدول العربية بالتحولات في التعاملات الإلكترونية وفقاً لاحتياجات التنمية، وفي المملكة العربية السعودية على سبيل المثال لا الحصر خصصت العديد من البرامج والمبادرات للتحول الرقمي، ومن أبرز تلك الاهتمامات في المملكة العربية السعودية في العام 2005م إنشاء برنامج التعاملات الإلكترونية الحكومية  (يسر)، وأوكل أيضاً لوزارة الاتصالات وتقنية المعلومات إعداد الخطط الطموحة وتطويرها بما يحقق التحول الرقمي.  يهدف البرنامج إلى رفع كفاءة وإنتاجية القطاع الحكومي من خلال تقديم خدمات إلكترونية سهلة وميسرة لقطاع الأعمال والأفراد بالمملكة.

ومن خلال هذه الجهود الكبيرة للمملكة في مجال التحول الرقمي حققت المملكة وفق مؤشر الأمم المتحدة للحكومة الإلكترونية، قفزات نوعية في التحول الرقمي.

وإجمالاً، فإن إنجازات الحكومة الإلكترونية في مختلف البلدان العربية ومنها المملكة العربية السعودية، دون التركيز على ما تشير إليها الأرقام من سنة إلى أخرى، هي تنوع الخدمات وتعددها والاستفادة منها من مختلف المستفيدين دون الأخذ في الاعتبار لحدود المكان والزمان، إضافة إلى التطور النوعي لهذه الخدمات وهو ما يلمسه الكثير من المستفيدين عن الاستفادة من تلك الخدمات على مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية.

د. عجلان بن محمد الشهري

أستاذ مشارك                                       
معهد الإدارة العامة – الرياض 

Share on facebook
Share on twitter
Share on linkedin
Share on whatsapp
Share on email

أحدث​ المقالات

الشلل الرقمي وتأثيره عالمياً

أصبحت التكنولوجيا الرقمية وما يرتبط بها من وسائل التواصل الاجتماعي والهواتف الذكية والمواقع الإلكترونية جزءاً هاماً من حياتنا اليومية ولا يمكن الاستغناء عنها، فجميعنا يتفقد

تفاصيل »

الذكاء الاصطناعي.. ثورة أم تهديد؟

يُعدُّ الذَّكاءُ الاصطناعيُّ، أداةً ثوريَّةً ستُحدِثُ تحوُّلًا هائلًا في كافَّةِ المجالاتِ، خاصَّةً الصناعةَ، فخلالِ السنواتِ القليلةِ المقبلةِ سيتغيَّرُ القطاعُ الصناعيُّ بشكلٍ جذريٍّ، وستحلُّ الربوتاتُ مكانَ

تفاصيل »