لماذا يزداد الفقراء فقراً؟!

في خبر نشرته «القبس» تقول فيه بأن أغنى 660 شخصاً في أميركا قد جمعوا ثروة مفاجئة بقيمة 101 تريليون دولار منذ بدء جائحة كورونا.. وأن الثروة الجماعية لهؤلاء قد ارتفعت بنسبة 39 في المئة منذ أن أعلنت منظمة الصحة العالمية أن «كورونا» وباء عالمي، وذلك في مارس 2020! الرقم لا شك أنه مخيف، خاصة في ظل تراجع الدخول بسبب الجائحة.. واقتراب ما يقارب المليار شخص من خط الفقر.. لكنه يبقى كرقم مجرّد جزء من منظومة اللاعدالة الاجتماعية في العالم كله.. فهنالك أرقام لا تقل رعباً.. وبحسبها فإن 10 دول في العالم تملك 73.5% من الثروات الخاصة في الأرض.. التي تقارب الـ250 تريليون دولار! حصاد «كورونا» المليارديري يقول كذلك بأن المليارديرات في الصين أضافوا أثناء الجائحة 490 مليار دولار إلى ثرواتهم.. وأن فرنسا قد سجّلت أعلى نسبة ارتفاع في ثروات الأثرياء، وبواقع زيادة بلغت 47%، وأن ثروة المليارديرات في قطاع التكنولوجيا قد زادت بنسبة 42%، حيث أضافوا إلى ثرواتهم 529 مليار دولار.. فيما تمكّن الذين يتعاملون في مجال السلع الاستهلاكية والتجزئة من زيادة ثرواتهم بقيمة 478 مليار دولار! لقد سبق أن حذّر خبراء اقتصاديون من تداعيات الوباء، التي من المحتمل أن تخلق عالماً أقل مساواة في الدخول أكثر بكثير مما كان عليه العالم قبل الجائحة! والمثير هنا أن إجراءات الإغلاق والإجراءات الاقتصادية قد صبّت في مصلحة الأثرياء وفقًا للأرقام المرفقة أعلاه.. وبذلك تكون جائحة كورونا مُضاعَفَة على محدودي الدخل والفقراء.. سواء من الناحية الصحية أو المالية والاجتماعية، لذلك على العالم كله أن يكون مستعداً لغياب مفزع في ميزان العدالة الاجتماعية.. وهو أمر سَيُفرِز مشكلات أخرى كثيرة بخلاف الفقر. فالعالم اليوم أدرك بأن الحدود، جغرافية كانت أم سياسية، تسقط أمام الكوارث.. وأن شعوب العالم تشترك وإلى حد كبير في أي تداعيات تخلّفها كوارث عابرة، سواء كانت صحية كما هو الحال مع جائحة الكورونا.. أو سياسية وذلك وفقاً لخريطة الإرهاب والعنف التي حطّمت الحدود والحواجز المُشيّدة كافة، وأثّرت في دول العالم كافة. هنالك بلا شك خط مناهِض لمثل هذا الغياب في العدالة الاجتماعية، وقد نشطَ مثل هذا الخط كردة فعل على هيمنة اقتصاد الشركات المتعددة الجنسيات، التي يرى البعض أنها قد ضاعفت من الخلل في ميزان العدالة الاجتماعية العليل أساساً.. لذلك فقد خرجت حركات اجتماعية، مثل حركة «العولمة البديلة»، التي نشطت منذ السبعينيات، وهي حركة اجتماعية تعمل على تعزيز القيم الإنسانية، مثل السلام والحرية المدنية وحماية البيئة والعدالة الاقتصادية وحماية العمال وتنوّع الثقافات. قد لا يتعدى ما ذُكِرَ أعلاه خانة التنظير.. فالإجابة عن سؤال لماذا يزداد الفقراء فقراً، بينما تتضاعف ثروات الأغنياء، هو سؤال قد يكون بلا إجابة حقيقية أو فعلية، بالرغم من محاولة أحد المفكرين الاقتصاديين وضع إجابة تقريبية لخّصها بأن محاولة الحكومات خَلق توازن يحقّق شيئاً من العدالة ما هي إلا محاولة أقرب منها الى النفاق السياسي.. وأن الحكومات تأخذ ضرائب من الأثرياء باليمين وتعطيها لهم باليسار من خلال إرساء عقود وصفقات ومشاريع. ولكن كيف ينطبق مثل هذا الواقع على دولنا.. هل ساعدت الثروة النفطية في تغطية عيوب مثل هذا التفاوت الطبقي المالي؟.. وبالتالي فإن هنالك احتمالاً بأن يكشفه انحسار هذه الثروة.. أو أن أموراً أخرى كتسهيلات القروض الاستهلاكية.. والدعم.. قد أخفت حقيقة ذلك التفاوت ولم تُلغه.. وبذلك نكون قد أضعنا فرصة تاريخية في خلق مجتمع متجانس إلى حد ما مع تدفق الثروة النفطية.. وعادل في تقسيم ثروته؟ كثيرة هي الأسئلة حول إخفاق الكويت، بالرغم من حجمها السكاني الصغير ودخلها الكبير، في تعزيز مبدأ العدالة الاجتماعية والمالية بالشكل المطلوب. الخلاصة.. وفقاً لأرقام الجائحة فإننا نعيش في عالم يزداد فيه الفقير فقراً وتتضاعف ثروات الأثرياء ومن دون أن يجد العالم مخرجاً لذلك حتى اللحظة.

سعاد فهد المعجل

القبس – فبراير 2020

Share on facebook
Share on twitter
Share on linkedin
Share on whatsapp
Share on email

أحدث​ المقالات

الشلل الرقمي وتأثيره عالمياً

أصبحت التكنولوجيا الرقمية وما يرتبط بها من وسائل التواصل الاجتماعي والهواتف الذكية والمواقع الإلكترونية جزءاً هاماً من حياتنا اليومية ولا يمكن الاستغناء عنها، فجميعنا يتفقد

تفاصيل »

الذكاء الاصطناعي.. ثورة أم تهديد؟

يُعدُّ الذَّكاءُ الاصطناعيُّ، أداةً ثوريَّةً ستُحدِثُ تحوُّلًا هائلًا في كافَّةِ المجالاتِ، خاصَّةً الصناعةَ، فخلالِ السنواتِ القليلةِ المقبلةِ سيتغيَّرُ القطاعُ الصناعيُّ بشكلٍ جذريٍّ، وستحلُّ الربوتاتُ مكانَ

تفاصيل »