التحديات والمستقبل القريب للشركات الصغيرة والمتوسطة

مع عدم وجود اي علامة في الأفق تلوح بنهاية وباء كورونا في القريب العاجل، كيف سيتغلب قطاع الشركات الصغيرة والمتوسطة في المستقبل القريب على التحديات التي يفرضها هذا الوباء العالمي؟

على عكس الشركات الكبيرة والتي تعتمد على موارد أكبر تمكنها من تحمل أعباء الازمة، تعتمد الشركات الصغيرة والمتوسطة على موارد متواضعة تساعدها على تكبد أعباء البقاء شهر بشهر، وخصوصا السيولة المالية والتي تكون كافية في الغالب لمدة لا تتجاوز أسابيع معدودة. وبالتالي مع تقلص مستوى الأعمال وانخفاض المبيعات والإيرادات بسبب الجائحة، تعد هذه الفئة من المؤسسات الأكثر تضررا في الفترة الراهنة. ونظرا لأهمية هذا القطاع للأقتصاد العالمي ودوره الفعال في خلق فرص عمل للكثيرين، حيث يوظف أكثر من خمسين في المئة من القوى العاملة في العالم، قدمت الحكومات في كثير من البلدان العديد من القروض والبرامج للحفاظ على استمرارية هذه المؤسسات، ومع ذلك تستمر معاناة القطاع ويخيم شبح الإفلاس على الكثير من مؤسساته. 

التحدي الحالي هو ببساطة استمرارية هذه المؤسسات وهذا يعتمد بشكل كبير على القدرة الفردية لكل مؤسسة على التكيف مع “الوضع الطبيعي الجديد”، من خلال وضع رؤية لضمان استمرارية أعمالها وعدم خروجها من سوق العمل. تعتمد الرؤية على تقييم المعطيات الإيجابية والسلبية للواقع الحالي المبني على عادات جديدة تبنتها الناس للتكيف مع الوباء.

 الهدف هو خفض التكلفة التشغيلية وزيادة المبيعات عن طريق خدمة المستهلك بطريقة تناسب متطلبات المرحلة الراهنة. كذلك تستلزم المرحلة الحالية إعادة جدولة الأولويات، وان تضع كل مؤسسة تقديرات واقعية لتدفقاتها النقدية، ومقارنة هذا التدفق النقدي بالمصروفات الثابتة والمصروفات التي يمكن خفضها واتخاذ خطوات جادة لخفض النفقات الأكثر مرونة.

 كما أنه ليس من المبكر التفكير في مستقبل عمل المؤسسة بعد الجائحة وتعديل نموذج عملها على المدى الطويل ليتلائم مع متطلبات العالم الجديد، مع الأخذ في الحسبان انه بعد انتهاء الجائحة سيتغير المشهد العالمي. قد يكون كثير من العملاء أكثر فقرا، مع تحول كبير في الأولويات. كما سيظل الكثيرون خائفين من مخاطر الأمراض المعدية، ولكنهم سيكونون أيضا حريصين على امتاع أنفسهم بعد العزلة الطويلة. لذلك تحتاج كل مؤسسة ان تفكر مليئا في الكيفية التي سيغير بها عالم ما بعد الوباء نموذج عملها – وجلب وجهة نظر العملاء ومصلحتهم الى عملية التخطيط. كما ستجد الشركات التي يمكنها التحول الى الأعمال الرقمية المزيد من النجاح في المضي قدما. هذا هو عصر التسوق عبر الإنترنت والشركات الصغيرة والمتوسطة التي يمكنها الاستفادة من التكنولوجيا وزيادة الأعمال التجارية عبر الإنترنت هي الشركات التي يرتفع احتمال بقائها في السوق. 

كذلك انه من الضرورة بمكان ان تحافظ كل مؤسسة على ولاء أفضل موظفيها. ان العاملين لدى المؤسسة من العناصر المهمة لنجاحها، واذا فقدت المؤسسة هذا العنصر الفعال خلال الأزمة، فستكون إعادة بناء عملياتها أكثر صعوبة. فبعد الأزمة المالية العالمية قبل أكثر من عقد بقليل، كانت الشركات الصغيرة والمتوسطة هي التي تعافت أسرع من الأخرين، 

لذلك حتى لو أطرت هذه الفئة من المؤسسات الى خفض تكاليف العمالة بشكل كبير خلال الأزمة، فأنها تريد الحفاظ على قدرتها على إعادة توظيف أفضل العاملين لديها عندما يكون العالم مفتوحا للعمل مرة أخرى. 

 في حين ان العديد من المؤسسات تعاني من تزايد خطر الإغلاق، فأن هذا لا يعني التحول الدائم الى الركود العالمي. سيحدث الانتعاش وستكون الشركات الصغيرة والمتوسطة الذكية من الناحية التكنولوجية هي التي ستقود الطريق.

د. غنية محسن الدرازي – كاتبه

أخبار الخليج –نوفمبر2020

Share on facebook
Share on twitter
Share on linkedin
Share on whatsapp
Share on email

أحدث​ المقالات

الشلل الرقمي وتأثيره عالمياً

أصبحت التكنولوجيا الرقمية وما يرتبط بها من وسائل التواصل الاجتماعي والهواتف الذكية والمواقع الإلكترونية جزءاً هاماً من حياتنا اليومية ولا يمكن الاستغناء عنها، فجميعنا يتفقد

تفاصيل »

الذكاء الاصطناعي.. ثورة أم تهديد؟

يُعدُّ الذَّكاءُ الاصطناعيُّ، أداةً ثوريَّةً ستُحدِثُ تحوُّلًا هائلًا في كافَّةِ المجالاتِ، خاصَّةً الصناعةَ، فخلالِ السنواتِ القليلةِ المقبلةِ سيتغيَّرُ القطاعُ الصناعيُّ بشكلٍ جذريٍّ، وستحلُّ الربوتاتُ مكانَ

تفاصيل »