لا مسميات وظيفية بعد اليوم

أعلن رئيس مجلس إدارة أحد أشهر الشركات العقارية في الخليج عن إلغاء كل المسميات الوظيفية للعاملين بالشركة، وذلك في إطار إستراتيجية جديدة ترتكز على دعم المواهب وتطويرها في ظل الظروف، التي فرضها تفشي فيروس «كورونا» المُستَجَد حول العالم، وتناولت الحسابات في وسائل التواصل الاجتماعي الخبر بعدة تحليلات، وكما جرت العادة نجد المؤيدين والمعارضين لهذا التوجه، وفي هذا المقال سأكتب عن وجهة نظري الشخصية حول هذا التوجه، ولا يعني ذلك التقليل من قرار الشركة أو موظفيها.

بدأت القصة بعد أن أرسل رئيس مجلس إدارة الشركة رسالة لجميع الموظفين مضمونها أنه لن يكون هناك وجود لأي مسمى وظيفي لجميع موظفي الشركة، وعلل في رسالته بأن الأزمة، التي خلفها وباء فيروس كورونا فرضت على إدارة الشركة مراجعة الطرق، التي تُسيّر بها أعمالها بما فيها المنتجات، التي تقدمها الشركة والأنظمة والأشخاص العاملون بالشركة، وأضاف في رسالته إن التحديات، التي تواجهها الشركة ستكون أكبر من أي وقت مضى مما دفع الشركة للتركيز على المواهب والمهارات، التي يمتلكها كل فرد يعمل فيها وليس المناصب أو المسميات الوظيفية، ونوه بأن معلومات بطاقات العمل التعريفية ستقتصر على اسم الموظف والقسم، الذي يعمل فيه فقط.

قبل الخوض في تفاصيل أكثر، من المهم التوضيح أنه منذ مئات السنوات ونوعية الوظائف تختلف مع مرور الزمن، وهذا أمر لا نختلف عليه ولا يحتاج للتهويل، والأهم من ذلك هو استمرارية تطوير مهارات الثروة البشرية حتى تكون قادرة على التكيف مع أي متغيرات تطرأ على نوعية الوظائف في أي سوق عمل، لأن المهارات «الناعمة» تعتبر المعيار الأهم للتوظيف والإبداع خلال السنوات القادمة.

إستراتيجية التوظيف المستقبلية ستتغير بشكل جذري في القطاعين الخاص والعام، وحتى الكيانات العامة ستتغير بشكل غير مسبوق، وأيضا إعادة هيكلة الوظائف والقوى العاملة ستشهد تحولا كبيرا، وستشمل دمج بعض الوظائف حتى تكون هناك أدوار مرنة يمكن القيام بها، وحتى المسميات الوظيفية ستتجدد بمسميات مستحدثة، والتغيير الجذري لأغلب الوظائف سنجده في تداخل مهام جديدة من وظائف أخرى، بالإضافة للتركيز على المهارات الناعمة «Soft Skills» بشكل أكبر من المهارات الصلبة «Hard Skills»، وهذا الأمر سيكون بشكل متسارع حتى تصل المنشآت للتحجيم الصحيح لهيكلها.

كوجهة نظر شخصية أرى أن القرار، الذي اعتمده رئيس مجلس إدارة الشركة أقرب لطريقة «لبقة» لتسريح الموظفين وتقليل أعدادهم، وذلك من خلال دمج المهام بالأقسام على المدى القريب، وستتبع الشركة إستراتيجية «الجوكر» لموظفيها مما يقلل من تكاليف الأيدي العاملة المباشرة وغير المباشرة، والهدف من ذلك الوصول للتحجيم الصحيح خلال فترة قريبة، ولا يعني ذلك خفضا لأجور الموظفين أو مكافآتهم، بل قد يصل الأمر لزيادة الأجور بعد تقليص العدد بسبب زيادة المهام، وإضافة لذلك ستكون هناك مستويات للوظائف حتى لا يتضرر العمل في الشركة.

هذا التوجه قد يكون مناسبا للمنشآت الصغيرة جداً، ولا يعني نجاح تطبيقه على المنشآت الأكبر حجماً، ومن أبرز سلبياته هو «خربطة» المسار الوظيفي للعاملين في المنشأة حال تطبيقه، وسيصعب من انسيابية العمل، خاصة في المنشآت متعددة الأقسام مما يتسبب في ربكة إدارية، وسينعكس بشكل سلبي على تأثير القيادة والإبداع بالإضافة لمصفوفة الصلاحيات، وسيقلل من مؤهلات الكثير من المهن كالمهندسين على سبيل المثال.

مثل هذا التوجه من الصعب جداً تطبيقه في سوق العمل بالمملكة، وبتطبيقه يعني أننا نسير في اتجاه معاكس لإستراتيجية التوطين «توطين المهن»، التي تعمل عليها وزارة الموارد البشرية، وكل ما يشاع بأن هذا التوجه صحي لتطوير بيئة العمل فهو غير صحيح.

ختاماً: أتمنى ألا نرى مثل هذه الدعاية في الشركات السعودية أو حتى في القطاع العام بحجة دعم المهارات والمساواة بين جميع الموظفين، وما أتمناه فعلياً هو تحديث المسميات الوظيفية، وبعيداً عن المسميات التقليدية حتى تكون أشمل للمهام، التي يشغلها العاملون.

خالد الشنيبر

جريدة اليوم

Share on facebook
Share on twitter
Share on linkedin
Share on whatsapp
Share on email

أحدث​ المقالات

الشلل الرقمي وتأثيره عالمياً

أصبحت التكنولوجيا الرقمية وما يرتبط بها من وسائل التواصل الاجتماعي والهواتف الذكية والمواقع الإلكترونية جزءاً هاماً من حياتنا اليومية ولا يمكن الاستغناء عنها، فجميعنا يتفقد

تفاصيل »

الذكاء الاصطناعي.. ثورة أم تهديد؟

يُعدُّ الذَّكاءُ الاصطناعيُّ، أداةً ثوريَّةً ستُحدِثُ تحوُّلًا هائلًا في كافَّةِ المجالاتِ، خاصَّةً الصناعةَ، فخلالِ السنواتِ القليلةِ المقبلةِ سيتغيَّرُ القطاعُ الصناعيُّ بشكلٍ جذريٍّ، وستحلُّ الربوتاتُ مكانَ

تفاصيل »