تدليس القوائم المالية

للقوائم المالية أهمية في الكشف عن قوة وضعف واتجاه أداء الشركات في أسواق المنافسة. نستطيع من خلال قراءة القوائم المالية معرفة الكثير عن أداء الشركات الحاضر والمستقبلي وعمل ما يجب لتلافي تدني الأداء والسلوكيات البشرية التي تساهم فيه. تحقق الرقابة المالية النزيهة والتدقيق المحاسبي المهني في الشركات النتائج المأمولة إذا كانت المصلحة العامة ومصداقية وشفافية القوائم المالية تعكس مدى حرص الإدارة التنفيذية ومجلس الإدارة على مصالح المساهمين والمستفيدين منها، لذلك فهي من مرتكزات الحوكمة الفعالة والأخلاقيات المهنية في ممارسات الرئيس التنفيذي والموظفين بالإضافة إلى أعضاء مجلس الإدارة المنتخبين. ولقد نصت الفقرة (أ) من المادة التاسعة والأربعين من اللائحة المنظمة لسوق المال على أنه يعد مخالفا لأحكام هذا النظام أي شخص يقوم عمدا بعمل أو يشارك في أي إجراء يوجد انطباعا غير صحيح أو مضللا بشأن السوق، أو الأسعار، أو قيمة أي ورقة مالية، بقصد إيجاد ذلك الانطباع، أو لحث الآخرين على الشراء أو البيع أو الاكتتاب في تلك الورقة، أو الإحجام عن ذلك أو لحثهم على ممارسة أي حقوق تمنحها هذه الورقة، أو الإحجام عن ممارستها. إن حوكمة التقارير المالية ضرورة للارتقاء بكفاءة الأداء وتقديم الإرشاد لتصحيح الانحراف فيه، إن تدليس التقارير المالية يؤدي إلى مشاكل كثيرة تضر بالمساهمين وتضعف ثقة المستثمرين في الشركات والسوق المالية وبالتالي تؤدي إلى الإفلاس في معظم الحالات وفقد المساهمين لأموالهم، ناهيك عن تراجع المستثمرين عن ضخ الأموال في ذلك السهم ومما لا شك فيه أن تدليس القوائم المالية يضر بالصورة الذهنية للشركة كما حصل لشركة إنرون للطاقة والتي ساهمت إدارتها مع شركة التدقيق المحاسبي آرثر اندرسون في تدليس قوائمها المالية بالرغم من نظام حوكمة قوية، لكن تغلب عليها السلوك البشري لخدمة الرئيس التنفيذي ومن حوله من نواب الرئيس. وبالطبع تدليس القوائم المالية لا يقتصرعلى شركة دون أخرى، بل إنه سلوك مشترك في الشركات المساهمة عندما تغلب المصلحة الخاصة للرئيس التنفيذي ورئيس مجلس الإدارة وبقية الأعضاء على المصلحة العامة للمساهمين وغيرهم من المستفيدين. سيجد السلوك البشري غير الأخلاقي الثغرات التي يتسلل من خلالها إلى تغليب المصالح الخاصة على المصلحة العامة للشركة. وهنا تكمن أهمية أخلاقيات المهنة وميثاق الأداء الأخلاقي الذي يحقق للشركة أهدافها بصدق وأمانة. عاشت السوق المالية السعودية تجارب عدة شركات مارست تدليس القوائم المالية ما أدى إلى خروجها من السوق ومنها شركات سعودية معروفة خرجت واختفت من السوق وأخرى على وشك الإفلاس. إن تغليب المصلحة الخاصة على المصلحة العامة في الشركات سلوك غير أخلاقي في غاية الخطورة لأنه يتنافى مع الدين والقيم ولوائح هيئة سوق المال السعودية والعالمية، لذلك على إدارة الشركة ومجلس الإدارة مراعاة مصالح الملاك أو المساهمين وغيرهم من المستفيدين، ومن الأهمية أن يكون المراجع الداخلي على درجة من المعرفة والكفاءة لتقصي أي انحراف في الأداء المالي. كما أن استقلالية مجلس الإدارة ضرورة لتفادي تضارب المصالح. أما فيما يخص المراجع الخارجي فإنه من الأهمية استقلاليته عن المراجع الداخلي تفاديا لتضارب المصالح، وكذلك يجب أن يكون المراجع الخارجي مستقلا عن الإدارة التنفيذية ومجلس الإدارة تحقيقا للنزاهة والشفافية في التعاملات الخارجية مع الشركة.

د. عبدالوهاب القحطاني

جريدة اليوم – 16 يوليو 2020

Share on facebook
Share on twitter
Share on linkedin
Share on whatsapp
Share on email

أحدث​ المقالات

الشلل الرقمي وتأثيره عالمياً

أصبحت التكنولوجيا الرقمية وما يرتبط بها من وسائل التواصل الاجتماعي والهواتف الذكية والمواقع الإلكترونية جزءاً هاماً من حياتنا اليومية ولا يمكن الاستغناء عنها، فجميعنا يتفقد

تفاصيل »

الذكاء الاصطناعي.. ثورة أم تهديد؟

يُعدُّ الذَّكاءُ الاصطناعيُّ، أداةً ثوريَّةً ستُحدِثُ تحوُّلًا هائلًا في كافَّةِ المجالاتِ، خاصَّةً الصناعةَ، فخلالِ السنواتِ القليلةِ المقبلةِ سيتغيَّرُ القطاعُ الصناعيُّ بشكلٍ جذريٍّ، وستحلُّ الربوتاتُ مكانَ

تفاصيل »