الإعلام الجديد والاستثمار في الشباب

منذ أيام قليلة طالعتنا الصحف بخبر مُثير للاهتمام، عن عزم بريطانيا تخفيض أعداد العاملين في المكاتب الإعلامية الحكومية على نحو كبير، إضافة إلى محاولة بث ملخص إعلامي تلفزيوني يومي عن أهم المجريات على الساحة المحلية، يشبه البث الذي يقدمه البيت الأبيض بشكل دوري. والأمر يبدو من الخارج كمحاولة لإعادة هيكلة المنظومة الإعلامية الحكومية في بريطانيا، لكنه ربما يحمل للقارئ دلالات شديدة الأهمية حول الاهتمام البالغ الذي تقدمه الحكومات الغربية للفرق الإعلامية الرسمية، فوفقًا للخبر ذاته، المنشور على موقع صحيفة Financial Times، يقدر عدد العاملين بأقسام الإعلام داخل 20 قطاعاً حكومياً بنحو 4 آلاف موظف أي 200 موظف للقطاع الواحد، وهي طاقة بشرية كبيرة للغاية تُسخر في خدمة أغراض الإعلام والتواصل الفعال، فعلى قائمة الأولويات، يحظى الإعلام لدى حكومات الدول المتقدمة بمكانة كبيرة، ويقوم بأدوار عدة، معرفية وثقافية وتوعوية، ما يجعله مجالاً مهنياً شديد الأهمية، أسهمه ما تزال في صعود منذ عقود، ومع التطور التكنولوجي ووسائل التواصل يبدو أن الاستثمار في الإعلام رهان ناجح ومتبصر. 

ولا أتحدث هنا بالضرورة عن الاستثمار المادي الذي تقوم به الكيانات الاقتصادية الكبرى لدعم المنصات الإعلامية أو ربما تدشينها من البداية، بل أتحدث عن الاستثمار البشري، فالنموذج البريطاني يحمل رسالة أمل وتفاؤل وفق ظني لطلاب ودارسي الإعلام بشكل عام لا سيما في المملكة، فمجال الإعلام ما يزال نابضاً بالحيوية، يتسع لمزيد من المتخصصين والعقول الذكية المبدعة، وينتظر في المستقبل القريب تطورات مهنية شتى – كما حدث خلال العقد الماضي – تطول الأدوات المستخدمة، ومفهوم المحتوى المُقدم وربما أيضًا معايير تقديمه وطرحه، وما حدث من اهتزاز على سبيل المثال في رسوخ الصحافة المطبوعة حول العالم، لا يعدو سوى مقدمات بزوغ شمس جديدة وعصر إعلامي وصحفي جديد يختلف فيه قالب العرض، وحدود المحتوى فتبقى الرسالة السامية في الإخبار والتوعية ونشر المعرفة مستقرة في أذهان العاملين. 

وربما على طلاب ودارسي الإعلام في الفترة المقبلة التيقظ والانتباه للتيارات المُتسارعة في مجال الإعلام، فألق غرفة الأخبار والمكاتب الإعلامية إنما يعني المزيد من المنافسات الحامية وعشرات من المتقدمين سنويًا على الوظائف الإعلامية الجديدة، وليكن الطالب جديرًا بفرصة مهنية مميزة عليه الاهتمام بتطوير مهاراته، والحصول على القدر الملائم من التدريب العملي، وكذلك المعرفة والثقافة الواسعة التي تؤهله لخوض مهمات إعلامية عسيرة في بعض الأحيان، ولا شك أن التسلح بقدرة واسعة على استخدام الأدوات التكنولوجية الحديثة سواء المرتبطة بالتواصل أو عمليات التحرير البصري، لا غنى عنه في سباق العمل الإعلامي.

نايف الوعيل

جريدة الرياض – 11 يوليو 2020

Share on facebook
Share on twitter
Share on linkedin
Share on whatsapp
Share on email

أحدث​ المقالات

الشلل الرقمي وتأثيره عالمياً

أصبحت التكنولوجيا الرقمية وما يرتبط بها من وسائل التواصل الاجتماعي والهواتف الذكية والمواقع الإلكترونية جزءاً هاماً من حياتنا اليومية ولا يمكن الاستغناء عنها، فجميعنا يتفقد

تفاصيل »

الذكاء الاصطناعي.. ثورة أم تهديد؟

يُعدُّ الذَّكاءُ الاصطناعيُّ، أداةً ثوريَّةً ستُحدِثُ تحوُّلًا هائلًا في كافَّةِ المجالاتِ، خاصَّةً الصناعةَ، فخلالِ السنواتِ القليلةِ المقبلةِ سيتغيَّرُ القطاعُ الصناعيُّ بشكلٍ جذريٍّ، وستحلُّ الربوتاتُ مكانَ

تفاصيل »