الاقتصاد «2020»

هذه السنة (2020م) هي سنة استثنائية، فالعالم كله يعاني من هذه الظروف الاقتصادية الخانقة؛ بسبب جائحة كورونا المستجد، وبسبب أسعار النفط المتذبذبة والمربكة والتي ألقت بظلالها المهيب على الاقتصاد العالمي. ولكن هذا جزء من دوامة الحياة، فهي ليست دائما حلوة ونضرة، بل لا بد أن يشوبها الصعوبات والتقلبات. ولكن السؤال هو كيف نعيش نحن كأفراد ونتأقلم مع أوضاع الحياة الاقتصادية المتغيرة والتي قد تكون أحيانا مؤلمة؟

ابتداءً علينا أن نطمئن أنفسنا بذلك القانون الكوني الذي لا يتبدل ولا يتغير ألا وهو في قوله سبحانه وتعالى: «وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ»، وكل ما هو مطلوب منا أن نسعى ونحاول، فالطيور لن ترزق وهي قابعة في أعشاشها، بل لا بد أن تغدو وتروح.

ومن المهم أيضا أن نتذكر أنه في كل فترة وعقد من الزمن تظهر أزمات مالية بعضها شديد وبعضها أقل ضراوة، وهذه الدورة ما بين الصعود والهبوط تنعش الأسواق والأرزاق، ومن خلالها تظهر الفرص لنمو الأموال والثروات. وقد قيل: المتشائم يرى صعوبة في كل فرصة، والمتفائل يرى فرصة في كل صعوبة!

ولعنا نحتاج إلى إعادة النظر في المصروفات كأفراد كما لو كنا مؤسسة أو شركة تراجع الإيرادات والمصروفات السنوية. وبناء عليها نتخذ بعض الإجراءات التي قد تكون قاسية، ولكنها ضرورية. وأعتقد أنه خلال جائحة كورونا ومنع التجول تعلمنا درسا مهما في أن نفرق بين الكماليات والضروريات والملهيات! وصدق أبو الدرداء -رضي الله عنه- حين قال: «واعلموا أن قليلا يغنيكم خير من كثير يلهيكم».

ومن هذا المنطلق، علينا أن نراعي كثيرا في الأيام القادمة (نمط الانفاق) في المناسبات أو الترفيه أو النزهات، بحيث نحرص على التوازن المعقول والمقبول، فلا تقتير ولا إسراف. وابن عباس -رضي الله عنهما- قال: (كل ما شئت والبس ما شئت، ما أخطأتك خلتان: سرف أو مخيلة).

والاستعداد المعنوي والإيجابي له دوره الفعال في مثل هذه الحالات، حيث نخلع عباءة اللوم من الظروف والأزمات والأشخاص والأشياء. وفي كل أزمة اقتصادية ستجد أناسا يشتكون ولا يفعلون شيئا! وآخرون يفعلون وقليلا ما يتحدثون!

ومن المناسب أيضا مراجعة الثقافة الاستهلاكية، فالقضية اللهث وراء كل جديد بدون سبب لم يعد ذلك مقبولا خصوصا أولئك المتأثرين بمواقع التواصل الاجتماعي أو الركض وراء كل إعلان أو صيحة وموديل أو التباهي بالتبذير الذي لم يعد مستساغا، ومذموم. والميزان الصائب يأتي في سياق هذه الآية: “وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَٰلِكَ قَوَامًا”.

ومن النقاط التي نغفل عنها البحث عن الفعالية في استخدام الطاقة وفي استهلاك الموارد الطبيعة، لأنه اليوم هي ضرورة وأثرها كبير محليا وعالميا. والترشيد في استهلاك الكهرباء والماء والحرص على كفاءة الطاقة في المركبات والأجهزة الكهربائية والإلكترونية صارت من المفاهيم والسلوكيات الحضارية، وتدل على وعي المجتمع، وفيها بلا شك حفظ للمال والموارد البيئية. ومن الصعب جدا في ظل هذا التطور التقني المذهل الذي نعيش ومع انتشار وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي المتنوعة أن يعذر أحد بجهله في مثل هذه القضايا؛ لأنها أصبحت من البديهيات والمسلمات.

ولو تفكرنا بصورة أكثر عقلانية ومنطقية، فنحن عشنا في وطننا عقودا وسنوات طوالا من الرخاء والازدهار وما زلنا ولله الحمد، ولكن لا بد من وقوع بعض الظروف الاقتصادية الطارئة والمؤقتة. ومع كل ما مررنا به من أزمات وظروف لم تتوان قيادتنا الرشيدة -حفظها الله- في بذل كل السبل؛ من أجل استقرار الوطن وأمنه وصحته.

وخلاصة القول.. الاقتصاد على المستوى الفردي يقع بين حسن التدبير وفهم ثقافة الاستهلاك.

عبدالله الغنام

جريدة اليوم – 11 يوليو 2020

Share on facebook
Share on twitter
Share on linkedin
Share on whatsapp
Share on email

أحدث​ المقالات

الشلل الرقمي وتأثيره عالمياً

أصبحت التكنولوجيا الرقمية وما يرتبط بها من وسائل التواصل الاجتماعي والهواتف الذكية والمواقع الإلكترونية جزءاً هاماً من حياتنا اليومية ولا يمكن الاستغناء عنها، فجميعنا يتفقد

تفاصيل »

الذكاء الاصطناعي.. ثورة أم تهديد؟

يُعدُّ الذَّكاءُ الاصطناعيُّ، أداةً ثوريَّةً ستُحدِثُ تحوُّلًا هائلًا في كافَّةِ المجالاتِ، خاصَّةً الصناعةَ، فخلالِ السنواتِ القليلةِ المقبلةِ سيتغيَّرُ القطاعُ الصناعيُّ بشكلٍ جذريٍّ، وستحلُّ الربوتاتُ مكانَ

تفاصيل »