بعد كورونا .. هل ستتغير كثيرا بعض العادات؟

بعد جائحة كورونا المدمرة لاقتصادات الدول والشركات وأرواح البشر، لن تنظر الدول إلى الانتشار الفيروسي في دولة معينة على أنه لا يعنيها، ولا علاقة لها به، فالعالم أصبح كالجسد الواحد بحيث إذا اشتكت دولة من فيروس معين تداعت لها كل الدول خشية الإصابات والتدمير، لتمتد الخسائر ليس للأرواح البريئة فقط، وإنما لإحداث انكماش في النمو الاقتصادي وارتفاع معدلات البطالة وإفلاس الشركات. فقد أصبح العالم صغيرا، ومترابطا اجتماعيا واقتصاديا أكثر من قبل.
وعلى الرغم من إصرار كورونا على إزهاق الأرواح، فإنها ستحدث آثارا إيجابية دائمة في التعليم والأعمال والاجتماعات الرسمية، وكذلك في عادات وتقاليد الشعوب، بعضها عادات تتعلق بالصحة وبعضها اجتماعية، وأخرى اقتصادية. فمن العادات الصحية التي ستبقى معنا حتى بعد زوال الجائحة تقبل المجتمع استخدام المعقمات والكمامات عندما يصاب الإنسان بأحد أمراض الجهاز التنفسي المعدية، وهذه العادة أو التقليد موجودة في دول شرق آسيا منذ عقود طويلة، ورأيتها شخصيا في كوريا واليابان. لذلك يلاحظ أن إصابات كورونا في تلك الدول قليلة جدا، مقارنة بالدول الأخرى، على الرغم من ارتفاع نسب كبار السن فيها.
من جهة أخرى، لا بد أن يتغير أسلوب السلام والتحية ليكتفى في كثير من الأحيان، بإلقاء التحية دون المصافحة، خاصة في الحفلات الكبيرة والأعراس أو مكاتب العمل والاجتماعات الرسمية، مع الاكتفاء بالمصافحة باليد دون “التخشيم” وتلاصق الخدود في المجالس الخاصة الصغيرة، مع أن هناك من يرى أن المصافحة للجالسين في المجلس ليست من هدي النبي – عليه الصلاة والسلام -، فالمصافحة عند التلاقي فقط. وهذا تغيير حميد يوفر كثيرا من الوقت ويجنب الناس احتمالية العدوى بالأمراض. وعلاوة على ذلك إذا كان السلام والتحية بالأحضان وتقبيل الأنف أو الخدود يطغى عليه كثير من المجاملة والنفاق في بعض الأحيان، فلتذهب هذه الممارسة دون رجعة.
ومن الممارسات غير المقبولة في بعض الولائم أن يقوم بعضهم بتقطيع اللحوم بأيديهم خدمة للآخرين، فلربما كانت هذه العادة حميدة في أوقات شح الغذاء، ما يتطلب توزيع اللحوم على الضيوف من كبار السن الذين لا يمكنهم الوصول للحوم المناسبة، أما في الوقت الحاضر الذي يتميز بالخير الوفير، فإن الحاجة إلى هذه العادة قد انتفت، بل من الأنسب تبني نظام “البوفيه” الذي يمكن الإنسان من اختيار الأطعمة التي يرغبها وتتناسب مع ظروفه الصحية، خاصة مع انتشار الأمراض المزمنة.
ومن المؤكد أن يقوم المجتمع تلقائيا بإعادة تعريف المساحة الشخصية Personal Space أو “الفقاعة” التي لا يسمح للآخرين باختراقها، لما يسبب ذلك من عدم الارتياح. وجدير بالذكر أن المساحة الشخصية التي يحافظ عليها الإنسان من حوله تتفاوت بين الشعوب، ففي بعض الشعوب، تعد المساحة أو المسافة الشخصية مقدسة، ولا يسمح للآخرين بانتهاكها، في حين تكون المساحة الشخصية صغيرة أو منعدمة لدى بعض الشعوب، بل تجد بعضهم يسند جسده إلى الآخر في المجالس والمقاهي دون غضاضة. ولا شك أن المحافظة على مساحة شخصية معقولة تمنح الإنسان الحرية في الحركة والحديث والتنفس دون مضايقة الآخرين.
وأخيرا لعل بعض التعليمات الوقائية للحماية من الإصابة بفيروس كورونا ستغرس لدى كثيرين عادة حميدة هي الالتزام بالوقوف في صفوف منتظمة عند دخول المحال التجارية أو الخروج من الطائرات ووسائل النقل العام دون أنانية وتسابق للدخول أو الخروج مع عدم الاهتمام بالآخرين، ويزداد ذلك أهمية مع قرب إطلاق النقل العام في بعض المدن الكبيرة. أدعو الله أن يرفع عنا وعن مجتمعاتنا جائحة كورونا ويحمينا من كل سوء.

أ. د. رشود بن محمد الخريف

جريدة الاقتصادية – 5 يوليو 2020

Share on facebook
Share on twitter
Share on linkedin
Share on whatsapp
Share on email

أحدث​ المقالات

الشلل الرقمي وتأثيره عالمياً

أصبحت التكنولوجيا الرقمية وما يرتبط بها من وسائل التواصل الاجتماعي والهواتف الذكية والمواقع الإلكترونية جزءاً هاماً من حياتنا اليومية ولا يمكن الاستغناء عنها، فجميعنا يتفقد

تفاصيل »

الذكاء الاصطناعي.. ثورة أم تهديد؟

يُعدُّ الذَّكاءُ الاصطناعيُّ، أداةً ثوريَّةً ستُحدِثُ تحوُّلًا هائلًا في كافَّةِ المجالاتِ، خاصَّةً الصناعةَ، فخلالِ السنواتِ القليلةِ المقبلةِ سيتغيَّرُ القطاعُ الصناعيُّ بشكلٍ جذريٍّ، وستحلُّ الربوتاتُ مكانَ

تفاصيل »