هل يستطيع النفط إنقاذ اقتصاد الإكوادور؟

على مدى عقود أثبتت دولة الإكوادور الغنية بالنفط أنها بقعة محفوفة بالمخاطر وغير مربحة بالنسبة للشركات الأجنبية التي تسعى للاستفادة من ثروتها المعدنية الهائلة.

وبلغ هذا الوضع ذروته بالتزامن مع حكم المحكمة بشأن تغريم شركة الطاقة الدولية “شيفرون” 9.5 مليار دولار في عام 2011، وفقاً لتحليل نشره موقع “أويل برايس” للمتخصص في إدارة الاستثمار “ماثيو سميث”.

وزعمت المحكمة أن “تكساكو” التي تم الاستحواذ عليها من جانب “شيفرون” في عام 2000، كانت تضخ لمدة ثلاثة عقود نفايات نفطية في المجاري المائية حول مدينة لاغو أغريو شمال الأمازون في الإكوادور.

وألحق الحكم، الذي وجدت المحكمة الأمريكية أنه نتاج عملية احتيال، ضرراً كبيراً بسمعة الإكوادور كوجهة للاستثمار الأجنبي.

وأدى ذلك جنباً إلى جنب مع ضوابط كبيرة على رأس المال والضرائب المفرطة على الأرباح والبيئة التنظيمية غير الشفافة إلى عرقلة الاستثمار الأجنبي في قطاع السلع الأساسية في الإكوادور.

وساهم ذلك في الحيلولة دون قدرة كيتو (عاصمة الإكوادور) على استغلال مواردها الطبيعية الهائلة بشكل كامل واستفادة الدولة من هذه الموارد.

وتعمل عاصفة متكاملة من أسعار النفط الضعيفة وتقادم البنية التحتية والديون المفرطة على تدمير اقتصاد الإكوادور القائم على الذهب الأسود.

وبحلول نهاية عام 2019، كانت الأزمة المالية في الإكوادور شديدة للغاية لدرجة أن كيتو قررت الانسحاب من منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك)، الأمر الذي سمح للبلاد بتفادي اتفاق خفض مستويات الإنتاج الإلزامي.

وفي وقت مبكر من الشهر الماضي، توقع البنك المركزي للإكوادور أن ينكمش اقتصاد البلاد بنسبة مقلقة تتراوح بين 7.3 بالمائة إلى 9.6 بالمائة خلال عام 2020.

وساهم ذلك بالإضافة إلى الضعف الحاد في أسعار النفط والمستويات الهائلة للديون الحكومية، في إجبار إدارة الرئيس “لينين مورينو” على التفاوض مع حملة السندات لتجنب التعثر عن سداد الديون السيادية.

ويعتبر الانهيار الأخير في أسعار النفط بمثابة مساهم رئيسي في الحالة الاقتصادية العصيبة للإكوادور.

وبحلول عام 2019، ساهم قطاع النفط والتعدين فيما يزيد قليلاً عن 6 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي للاقتصاد المعتمد على النفط مقارنة مع 12.5 بالمائة في عام 2013 عندما وصلت طفرة النفط الأخير إلى ذروتها.

ويُعد الخام هو سلعة التصدير الأساسية لدولة الأنديز المسؤولة عن 35 بالمائة في إجمالي صادرات البلاد في العام الماضي.

ويتفاقم الأثر المالي لضعف أسعار النفط بشكل كبير بسبب عدم قدرة الإكوادور على تعزيز الإنتاج رغم احتياطيات النفط الهائلة التي تزيد عن 8 مليارات برميل.

في حين أن الإكوادور، على عكس جارتها كولومبيا، لديها احتياطيات نفطية مؤكدة تقدر بنحو 8.3 مليار برميل، فإنها تعاني من أجل زيادة الإنتاج.

ويمكن إلقاء اللوم في ذلك على التنظيم الذي أدى إلى عرقلة الاستثمار الأجنبي في قطاع الهيدروكروبونات في الإكوادور والقيود المفروضة بموجب اتفاق خفض الإنتاج من قبل منظمة أوبك.

واتخذت كيتو تدابير هامة لتعزيز إمداداتها من الخام، والتي كان أبرزها مغادرة أوبك لتجنب الامتثال لخفض الإنتاج الإلزامي للمنظمة والذي سيكون ذو قدرة محدودة لزيادة إنتاج الإكوادور النفطي.

وبصرف النظر عن مغادرة أوبك، تركز إدارة “مورينو” على إصلاح قطاع الهيدروكربونات في الإكوادور وعكس سياسات تأميم الموارد التي وضعها سلفه “رافائيل كوريا”.

وخلال فترة ولاية “كوريا”، برزت سمعة الإكوادور باعتبارها دولة ذو صعوبات وغير مربحة لشركات الطاقة الأجنبية.

ويمكن إلقاء اللوم بشكل مباشر على نهج التدخل لـ”كوريا” في إدارة الموارد الطبيعية الغزيرة في الإكوادور.

وخلال فترة رئاسته، تم فرض ضرائب هائلة كما فرضت عقود غير مواتية على شركات النفط الخاصة، حتى أنه كان هناك حالات مصادرة أصول.

وكانت التعديلات الحاسمة التي أدخلتها حكومة مورينو تتمثل في تحسين ترتيبات تقاسم الأرباح وخفض الضرائب على شركات الطاقة.

وتُعد استعادة عقود المشاركة أيضاً مسألة هامة بشكل خاص كونها تسمح لمستكشفي ومنتجي البترول من القطاع الخاص بحجز احتياطيات النفط.

ومن شأن ذلك السماح بسهولة تقييمهم وفقاً لمنهجية الصناعة وإمكانية الوصول إلى الإقراض القائم على الاحتياطيات، مما يزيد من إمكانية الوصول إلى رأس المال المهم.Volume 0%

وترسل هذه التدابير إشارات بأن الإكوادور مفتوحة للشركات ومستعدة لمزيد من أنشطة التنقيب عن النفط وإنتاجه، وبالفعل زاد ذلك من اهتمام شركات النفط الأجنبية.

وفي أوائل عام 2019، استحوذت شركات النفط الأجنبية بما في ذلك “جيوبارك” و”فرونتيرا” و”جران تيرا” على حصص في إنتراكامبوس الواقعة في حوض أورينتي شمال شرق الإكوادور بالقرب من الحدود الكولومبية.

وتشير إصلاحات كيتو إلى نظرة مستقبلية أكثر إشراقاً على المدى الطويل بالنسبة لصناعة النفط الحيوية من الناحية الاقتصادية في الإكوادور، على الرغم من أن الاستثمار الأجنبي قد لا يحدث بالسرعة المطلوبة.

وفي حين أن إدارة “مورينو” قد عكست سياسة سلفه بشأن قومية الموارد، إلا أنه لا يزال هناك شوطاً طويلاً يجب قطعه من أجل إقناع شركات النفط الأجنبية بأن الإكوادور منفتحة للأعمال التجارية.

وينعكس ذلك في تقرير ممارسة الأعمال للبنك الدولي لعام 2020، حيث حصلت الإكوادور على تصنيف منخفض للغاية، لتحل في الترتيب رقم 129 من بين 190 دولة، مما يشير إلى أنها لا تزال منطقة محفوفة بالمخاطر بالنسبة لشركات الطاقة الأجنبية.

وكانت المستويات المرتفعة لتدخل الدولة في الإكوادور هي التي تم تحديدها على أنها خطر رئيسي.

ويُفاقم الهبوط الأخير في أسعار النفط من عدم جاذبية الإكوادور لشركات النفط الأجنبية.

واستجابة لانهيار أسعار الخام في مارس/آذار 2020 وحالة عدم اليقين الكبيرة التي أثارها وباء “كوفيد-19″، فإن شركات النفط حول العالم خفضت الإنفاق بل وأغلقت العمليات غير الضرورية وغير المربحة اقتصادياً.

وبالطبع، كان الاستثمار في أنشطة الاستكشاف والتنمية في المناطق ذات المخاطر المرتفعة هي الأكثر تضرراً بشدة.

وبصرف النظر عن المخاطر السياسية المتزايدة، فإن سعر التعادل المرتفع نسبياً في الإكوادور والبالغ 39 دولاراً للبرميل، أقل بحوالي دولارين فحسب عن سعر السوق الحالي، أمر يُعيق الاستثمار كذلك.

وتفاقم هذا الأمر أكثر من خلال قياس خام نابو الرئيسي في الإكوادور وخام أورينتي نسبة إلى خام غرب تكساس بدلاً من الخام القياسي برنت.

ومن شأن ذلك أن يمنع الشركات من ضخ النفط الخام في الإكوادور مستفيدة من سعر علاوة خام برنت، والتي تزيد بنحو دولارين للبرميل عن خام غرب تكساس.

وتعمل كذلك الإضطرابات المدنية الجسيمة الأخيرة إضافة إلى انفجار خطوط الأنابيب والأثر الشديد لوباء “كوفيد-19” على الإكوادور، على زيادة المخاطر أمام شركات النفط الأجنبية.

وتمنع كل هذه الأمور كيتو من زيادة إنتاجها النفطي وتحقيق هدفها لعام 2020 والبالغ 590 ألف برميل يومياً.

ويضغط كذلك تقادم البنية التحتية على طموحات كيتو بشأن النفط.

وأدى انفجار عدد من خطوط الأنابيب في الإكوادور خلال أبريل/نيسان الماضي إلى انخفاض إنتاج النفط إلى مستوى متدني يبلغ 68 ألف برميل يومياً، ليهبط إجمالي الإنتاج الشهري إلى 225.2 ألف برميل يومياً أو أقل من نصف إنتاج مارس/آذار البالغ 539.6 ألف برميل يومياً.

ويبدو أن الأمر استغرق حتى مايو/آيار من أجل إتمام عمليات الإصلاح ووصول خطوط الأنابيب إلى القدرة التشغيلية الكاملة، والتي شهدت زيادة في الإنتاج هذا الشهر إلى 333.3 ألف برميل يومياً في المتوسط.

ولم يصل الإنتاج إلى طاقته الكاملة حتى يونيو/حزيران بمتوسط يبلغ 514.8 ألف برميل يومياً، وهو أقل بنحو 3 بالمائة عند المقارنة مع الفترة المماثلة من عام 2019.

ولهذه الأسباب، لن تحقق كيتو هدفها الأهم المتمثل في زيادة إنتاج النفط إلى ما متوسطه 590 ألف برميل يومياً.

وسيؤثر ذلك على اقتصاد الإكوادور القائم على النفط مما يؤدي لتفاقم الأزمة المالية التي تجتاح دولة الأنديز.

ومن المتوقع أن يستغرق الأمر بعض الوقت حتى يتم الاعتراف بإصلاحات كيتو لصناعة النفط وجذب الاستثمارات المطلوبة بشدة لتفادي الأزمة المتزايدة.

المصدر: مباشر

Share on facebook
Share on twitter
Share on linkedin
Share on whatsapp
Share on email

أحدث​ المقالات

الشلل الرقمي وتأثيره عالمياً

أصبحت التكنولوجيا الرقمية وما يرتبط بها من وسائل التواصل الاجتماعي والهواتف الذكية والمواقع الإلكترونية جزءاً هاماً من حياتنا اليومية ولا يمكن الاستغناء عنها، فجميعنا يتفقد

تفاصيل »

الذكاء الاصطناعي.. ثورة أم تهديد؟

يُعدُّ الذَّكاءُ الاصطناعيُّ، أداةً ثوريَّةً ستُحدِثُ تحوُّلًا هائلًا في كافَّةِ المجالاتِ، خاصَّةً الصناعةَ، فخلالِ السنواتِ القليلةِ المقبلةِ سيتغيَّرُ القطاعُ الصناعيُّ بشكلٍ جذريٍّ، وستحلُّ الربوتاتُ مكانَ

تفاصيل »