التقشف أم الإنفاق لتحفيز النمو الاقتصادي؟

الحاجة الآن هي لتقليص الإنفاق الحكومي ليس على العموم، وإنما ذلك التقليص الذي سينتج ترشيدا للإنفاق، وفي ذات الوقت لا بد من استمرار الحكومة في الإنفاق على المشاريع والجوانب التي ينتج عنها نمو اقتصادي وإيجاد فرص عمل للأفراد وفرص استثمار للمؤسسات والشركات حتى وإن كان ذلك من خلال الاقتراض.

عاصفة مالية جديدة هبت على دول الخليج المصدرة للنفط ومنها السلطنة، واحدة هي أكبر من أختها التي عصفت منتصف العقد بهذه الدول فأيقظتها من أحلام الثراء الوردية، لتجد الحكومات نفسها الآن أمام أمرين أحلاهما مر ـ كما يقال ـ التقشف أو تحفيز نمو الاقتصاد من خلال الاستدانة وفرض الرسوم والضرائب، فأي الخيارين هو الأفضل؟
ماذا يقول الاقتصاديون؟ لنستعن بما ذكره Richard Davies في كتابه Economics :Making Sense of the Modern Economy إذ ينقل عن البنك الدولي أن التقشف يعيق النمو الاقتصادي أكثر من المتوقع، وأنه بقدر ما يعظم التقشف الذي تخطط له الحكومة تقل توقعات النمو الاقتصادي، ويذكر Davis أن سياسة التقشف التي اتبعتها إسبانيا من العام 2011 وحتى 2012 أدت إلى خفض العجز بمقدار اثنين بالمائة، ولكنها أدخلت الاقتصاد في ركود وكانت عاقبة ذلك أن ارتفعت مديونية الحكومة.
ما من دراسات معمقة لدى دول الخليج حول السياسات المثلى لمواجهة مثل هذه الأزمات، ولكن من بين ما يمكن الاستعانة به ما أورده Assil El Mahmah و Majda Kandil في مقال نشر في موقع منتدى البحوث الاقتصادية في فبراير 2019م، إذ ذكرا أن دول الخليج ينبغي لها أن توازن بين الضرورة الآنية لاحتواء العجز في موازناتها للمحافظة على الاستقرار المالي وبين أهدافها متوسطة المدى في الإنفاق الحكومي على الجوانب الأساسية بما يضمن نموا اقتصاديا لا يعتمد على النفط وبما يحقق تنوعا اقتصاديا.
ثمة نظرتان تتنازعان فكرة ما هي السياسة المثلى إزاء الأزمات المالية التي تتعرض لها موازنات الدول نتيجة الانخفاض في الإيرادات كالذي نشهده الآن، النظرة الأولى هي النظرة الكلاسيكية التي ترى أن ميل الحكومات إلى التقشف في أوقات الركود الاقتصادي لتقليل العجوزات في الموازنات من شأنه أن يساعد على تحريك النمو الاقتصادي بطريقة غير مباشرة من خلال تقليل منافسة الحكومات للقطاع الخاص على الاقتراض، ما سيتيح للمؤسسات فرصة أكبر للاقتراض، ويوفر لها موارد مالية لإنتاج أكبر، ويساعد على خلق وظائف وكذلك خفض معدل الفائدة، أي أن ذلك سيؤدي إلى تحريك الاقتصاد باتجاه النمو. النظرة الثانية هي النظرة المبنية على الأفكار التي أتى بها الاقتصادي البريطاني Jon Myanard Keynes الذي يعتبره الكثيرون الرجل الثاني في علم الاقتصاد بعد آدم سميث، تقوم أفكار Keynes على أنه في أوقات الأزمات المالية التي ينتج عنها ركود اقتصادي ينبغي للحكومات أن تركز على زيادة الإنفاق من خلال الاقتراض أو من خلال تخفيض الضرائب، لا سيما عندما يكون هناك فجوة في الإنتاج لكي تحرك جانب الطلب في السوق وتحافظ على الوظائف، ويرى أتباع Keynes أن ذلك أفضل للاقتصاد من اتباع سياسة التقشف، بل إن التقشف في مثل هذه الحال يجعل الأمور أكثر سوءا.
من أبرز المؤشرات التي يستخدمها أتباع Keynes لقياس أثر الإنفاق الحكومي ما يسمى بالمضاعف المالي(Fisical Multiplier) وهو التغير في الناتج المحلي الإجمالي مقيسا بوحدة العملة مقابل كل وحدة من العملة تنفقها الحكومة في الاقتصاد، وفي بحث نشر في موقع Center For American Progress نشر في مايو من العام 2014 بعنوان: ماذا تعلمنا من التقشف منذ الكساد العظيم؟ يذكر Michael Madowitz ـ الاقتصادي بالمركز ـ أن المضاعف المالي في الاقتصادات التي هي ليست في ذروة إنتاجها قد يصل إلى 3، وهذا يعني أن كل دولار تنفقه الحكومة لتحفيز الاقتصاد،

سيف بن سالم الحوسني

جريدة الوطن – 4 يوليو 2020

Share on facebook
Share on twitter
Share on linkedin
Share on whatsapp
Share on email

أحدث​ المقالات

الشلل الرقمي وتأثيره عالمياً

أصبحت التكنولوجيا الرقمية وما يرتبط بها من وسائل التواصل الاجتماعي والهواتف الذكية والمواقع الإلكترونية جزءاً هاماً من حياتنا اليومية ولا يمكن الاستغناء عنها، فجميعنا يتفقد

تفاصيل »

الذكاء الاصطناعي.. ثورة أم تهديد؟

يُعدُّ الذَّكاءُ الاصطناعيُّ، أداةً ثوريَّةً ستُحدِثُ تحوُّلًا هائلًا في كافَّةِ المجالاتِ، خاصَّةً الصناعةَ، فخلالِ السنواتِ القليلةِ المقبلةِ سيتغيَّرُ القطاعُ الصناعيُّ بشكلٍ جذريٍّ، وستحلُّ الربوتاتُ مكانَ

تفاصيل »