خطط الاستعداد لمواجهة الأزمات

مع استمرار تفشي جائحة فيروس كورونا، وبينما تركِّز الحكومات وأجهزة خدمات الطوارئ على الاحتياجات العاجلة، مثل تعزيز قدرات المستشفيات، والتصدي للجوع، وحماية الشركات والأُسر من مخاطر الإخلاء والإفلاس، وتُوجَّه غالبية الأموال، التي تتدفق حتى الآن من البنك الدولي أو صندوق النقد الدولي أو بنوك التنمية الإقليمية الأخرى أو البنوك المركزية، لتمويل تجهيز المستشفيات بمعدات الوقاية، أو مساعدة المؤسسات المالية على الاستقرار، أو تمويل الشركات لتوفِّر السلع والخدمات للعمال الأساسيين، أو تقديم دعم نقدي مباشر للأسر المعيشية؛ فيجب أيضا البدء بأعمال تمهيدية لتحديد ملامح المرحلة التالية من التعافي ودور الإجراءات العامة القوية في تعزيز الطلب، وتوفير مصادر بديلة للدخل، وتسهيل إجراء استثمارات جديدة، فمرحلة التعافي يمكن أن تساعد في بناء الرخاء والقدرة على مجابهة الصدمات المستقبلية من خلال الإسهام في تعزيز إمكانات واستدامة مسارات التنمية للبلدان على المدى الطويل. 

فهناك العديد من العوامل التي يجب على الحكومات أن تدرسها بعناية عند وضع خطط الطوارئ لدرء الأزمات مثل: الاحتياجات العاجلة، وقدرات المؤسسات المحلية، وظروف السوق، والحيز المتاح للاقتراض. 

ويمكن تطبيق هذه المراحل لخطط الطوارئ على أي قائمة من المشروعات أو السياسات، ويمكن أيضا تطبيقها على قوائم المشروعات الموجودة، على سبيل المثال خطط التنمية الوطنية، أو الخطط الرئيسية للنقل أو المياه، أو المساهمات الوطنية لمكافحة تغيُّر المناخ، أو على أي مقترحات جديدة يتم إعدادها خصيصا لمُحفِّزات ما بعد انتهاء جائحة كورونا. ويجب أن تغطي هذه المراحل نطاقين زمنيين:

الاحتياجات القصيرة الأجل لزيادة الوظائف ومستويات الدخل والطلب الاقتصادي قدر الإمكان وبأسرع وقت ممكن، والاحتياجات الأطول أجلا لتحقيق النمو المستدام والرخاء.

وعلى المدى القصير، هناك ثلاثة اعتبارات رئيسية:

خلق الوظائف، بالنظر في عدد الوظائف التي يجري توفيرها مقابل كل دولار يتم استثماره، وكذلك أنواع الوظائف والمستفيدون منها، والتوافق بين المهارات المطلوبة وتلك التي تمتلكها القوى العاملة المحلية.

تعزيز النشاط الاقتصادي، بالتركيز على مضاعف النمو الاقتصادي الذي يمكن أن يحققه كل إجراء تدخلي، وقدرة المشروع على تعويض الطلب المفقود بشكل مباشر، وتأثيره على مستويات الاستيراد أو الميزان التجاري الوطني.

اختيار التوقيت والمخاطر، بتقييم ما إذا كان المشروع يحقق منافع تحفيزية أو توظيفية على المدى القصير جدا، وما إذا كانت هذه المنافع مستدامة حتى عند إمكانية إعادة فرض تدابير الحجر الصحي.

على المدى الأطول، يجب النظر إلى الآتي:

– القدرة على مواجهة الصدمات في المستقبل، باتخاذ إجراءات احترازية لبناء قدرة المجتمعات والاقتصادات على مواجهة الصدمات الخارجية والتعافي من آثارها، مثل الجائحة الحالية لفيروس كورونا، وكذلك الأشكال الأخرى للكوارث الطبيعية والآثار المستقبلية لتغيُّر المناخ.

– لا بد من زيادة الثقة في قطاع التكنولوجيا والثقة بالأداء التقني والدفع الإلكتروني مع فرض تغيير على سلوكيات المستهلك والتخلي عن العادات التقليدية القديمة وخلق توجهات في المهن لصالح التوجه بقوة نحو العمل من البيت، ففي ظل كل هذه المتغيرات ستظهر الحاجة الماسة إلى تفعيل دور التجارة الالكترونية فلا بد من استخدام التقنيات الحديثة كأداة حاسمة في الحفاظ على استمرارية الأعمال والحياة؛ إذ شهدت التدابير الرامية إلى احتواء وباء كورونا نقل مزيد من الشركات والحكومات عملياتها وخدماتها عبر الإنترنت للحد من التفاعل المادي كوسيلة لاحتواء انتشار الوباء.

وأشير هنا إلى أنه يقع على عاتق واضعي السياسات الكثير في الوقت الراهن، ولا يمكن لخطط التعافي الاقتصادي أن تسبق العمل على التصدي للأزمة الصحية الحالية. لكن مع تحوُّل تركيز الحكومات إلى تحقيق التعافي ستحدد الخيارات التي تتخذها البلدان شكل المستقبل ومدى قدرتنا على إدارة الأزمات العالمية المستقبلية بصورة أفضل.

عبد الخالق رؤوف خليل – الأمين العام السباق للإتحاد العام العربي للتأمين

جريدة أخبار الخليج – 2 يوليو 2020

Share on facebook
Share on twitter
Share on linkedin
Share on whatsapp
Share on email

أحدث​ المقالات

الشلل الرقمي وتأثيره عالمياً

أصبحت التكنولوجيا الرقمية وما يرتبط بها من وسائل التواصل الاجتماعي والهواتف الذكية والمواقع الإلكترونية جزءاً هاماً من حياتنا اليومية ولا يمكن الاستغناء عنها، فجميعنا يتفقد

تفاصيل »

الذكاء الاصطناعي.. ثورة أم تهديد؟

يُعدُّ الذَّكاءُ الاصطناعيُّ، أداةً ثوريَّةً ستُحدِثُ تحوُّلًا هائلًا في كافَّةِ المجالاتِ، خاصَّةً الصناعةَ، فخلالِ السنواتِ القليلةِ المقبلةِ سيتغيَّرُ القطاعُ الصناعيُّ بشكلٍ جذريٍّ، وستحلُّ الربوتاتُ مكانَ

تفاصيل »