السوق النفطية تتلقى إشارات متضاربة حول آفاق الاقتصاد العالمي تزيد تقلبات الأسعار

تراجعت أسعار النفط الخام أمس، بعدما حققت بعض المكاسب نتيجة جهود التحفيز الاقتصادي في الولايات المتحدة، ولكن استمرار معدل الإصابات الجديدة المرتفعة بفيروس كورونا، يعزز المخاوف بشأن الطلب العالمي على النفط الخام.
ويتأهب المنتجون في “أوبك +” لتخفيف قيود خفض الإنتاج ابتداء من أول آب (أغسطس) المقبل لتلبية احتياجات الاستهلاك المرتفع في فصل الصيف، بينما يأمل المنتجون أن تحافظ الأسعار على تماسكها بسبب استمرار قيود الإنتاج وتحسين امتثال الدول المنتجة المتعثرة في الأشهر الماضية.
وقال لـ”الاقتصادية” مختصون ومحللون نفطيون، إن الاستقرار النسبي للأسعار يعود في الأساس إلى التأثيرات المتضادة لعدة عوامل رئيسة، حيث تلقت أسواق النفط بعض الإشارات المتضاربة، ما جعل التقلبات تهيمن بقوة على الأسعار، حيث ستستمر لفترات طويلة نظرا لغياب حالة اليقين بشأن آفاق الاقتصاد العالمي خاصة سوق الطاقة وتحديدا الطلب العالمي على النفط الخام.
وعد المختصون أن وضع جائحة كورونا في الولايات المتحدة سبب للتوترات والتقلبات المستمرة في السوق حيث أدت الإصابات المتسارعة – دون مؤشرات على انحسار المرض – إلى زيادة الشكوك حول آفاق استعادة الطلب بينما توجد عوامل أخرى تعطي دفعة من التفاؤل ومنها خطط التحفيز الاقتصادي في الولايات المتحدة إلى جانب الأنباء عن التوصل إلى لقاح للفيروس من خلال جامعة أكسفورد البريطانية.
وأكد سيفين شيميل مدير شركة “في جي آندستري” الألمانية، أن الوضع المتوتر في السوق والتقلبات السعرية على الأرجح ستستمر في ضوء تطور الموجة الثانية الحادة من جائحة كورونا، ما جعل الأسواق في حالة قلق مستمر وتدارس مكثف لوضع السوق في ظل احتمال تكرار سيناريو الإغلاق، وتفاقم الضغوط الهبوطية على الطلب العالمي ومن ثم على الأسعار.
وأوضح، أن انتعاش الطلب سيكون على الأرجح محدودا وأقل من تقديرات سابقة إذا استمرت أوضاع السوق وفق وضعها الراهن المعقد الذي تتداخل فيه عوامل عديدة، مبينا أن الطلب العالمي سيظل بعيدا نسبيا عن مستوى ما قبل اندلاع الجائحة وهو نحو 100 مليون برميل يوميا، مشيرا إلى تقديرات لشركة “ريستاد إنرجي” ترجح أن يكون مستوى الطلب في عام 2020 عند 89.7 مليون برميل يوميا في ظل واقعية حدوث الموجة الثانية من الوباء في أغلب دول العالم.
من جانبه، قال روبين نوبل مدير شركة أوكسيرا الدولية للاستشارات، إن منتجي “أوبك +” يبذلون جهودا حثيثة للسيطرة على الأزمة واستعادة توازن السوق ولو بشكل نسبي حيث نفذوا على مدار ثلاثة أشهر تخفيضات قياسية هي الأوسع في تاريخ الصناعة وتحمل فيها كبار المنتجين العبء الأكبر وسيستمرون في الاستراتيجية نفسها ابتداء من الشهر المقبل مع تخفيف محدود لمواكبة ارتفاع الاستهلاك المحلي مع الاستمرار في حث الدول الأقل التزاما على تعويض التقصير في حصص خفض الإنتاج خلال الأشهر المقبلة.
وذكر أن العالم اكتسب خبرة جيدة من الموجة الأولى من الوباء ولذلك يمكن القول، إنه أكثر استعدادا للتعامل مع إجراءات الإغلاق الجديدة المحتملة بطريقة أكثر فاعلية وبما يقلل من حجم الخسائر الاقتصادية الفادحة التي حدثت في السوق على مدار الأشهر الماضية، لافتا إلى أن تداعيات الجائحة ستمتد تأثيراتها في أسواق النفط الخام حتى العام المقبل وربما الأعوام التالية، حيث لا يزال الطلب على وقود الطائرات تحديدا ضعيفا بسبب الكساد الذي قد يحتاج إلى عدة أعوام حتى تعود حركة الطيران إلى الازدهار مرة أخرى.
من ناحيته، أوضح ماركوس كروج كبير محللي شركة “إيه كنترول” لأبحاث النفط والغاز، أن من أبرز العوامل السلبية والضاغطة على الأسعار التي طفت على السطح في الأسابيع القليلة الماضية عودة التوترات الاقتصادية والتجارية بين الولايات المتحدة والصين، إضافة إلى الخلاف السياسي الخاص بالمسؤولية عن التسبب في الجائحة والتعويضات الخاصة بالأضرار التي تكبدها الاقتصاد الأمريكي، إلى جانب تبادل إغلاق القنصليات.
وذكر أن ارتفاع عدد الإصابات بالفيروس في الولايات المتحدة إلى أربعة ملايين حالة، إضافة إلى تسجيل مستويات قياسية في معدل البطالة، دفع الإدارة الأمريكية والكونجرس إلى بحث تطبيق حزمة تحفيز جديدة لدعم العملة الوطنية وانتشال الاقتصاد الأمريكي من الركود الواسع، ما سينعكس بالتالي – في حالة نجاح هذه الإجراءات – على إنعاش الاقتصاد العالمي.
بدورها، قالت المحللة الصينية إكسوي ساهي مختص شؤون النفط والغاز، إن الصين تقوم من جانبها بخطط تحفيز اقتصادي ناجحة لانتشال اقتصادها من دوامة الركود، والشيء نفسه قام به قادة الاتحاد الأوروبي بالموافقة على 750 مليار يورو في إطار خطة تحفيز اقتصادي لمنطقة اليورو، مشيرة إلى أن هذه الخطط مجتمعة توافر دعما جيدا للأسعار التي تدور حول مستوى 40 دولارا للبرميل، وهو مستوى مناسب للمنتجين التقليديين، بينما يمثل صعوبة للإنتاجين الأمريكي والكندي ما أدى إلى تراجع أنشطة الحفر الجديدة في الأسابيع الماضية.
وأشارت إلى أن نجاح تجارب أحد اللقاحات الجديدة سيكون له تأثير إيجابي كبير في الاقتصاد العالمي، بينما إذا استمر تفاقم الإصابات الجديدة سيؤدي ذلك إلى انخفاض في الطلب على الوقود بسبب إجراءات الإغلاق الجديدة المتوقعة في بعض الولايات الأمريكية، مبينة أنه إجمالا يمكن القول، إن الانتعاش الاقتصادي في العالم سيكون بطيئا والمكاسب السعرية محدودة.
وفيما يخص الأسعار، تراجع النفط أمس، إذ يضعف تنامي حالات الإصابة بكورونا توقعات الطلب على الخام في مواجهة التفاؤل إزاء مزيد من التحفيز الأمريكي.
وبحسب “رويترز”، تراجعت عقود برنت 19 سنتا، أو 0.44 في المائة، لتبلغ عند التسوية 43.22 دولار للبرميل، بينما انخفضت العقود الآجلة للخام الأمريكي 56 سنتا، أو 1.35 في المائة، لتسجل عند التسوية 41.04 دولار للبرميل.
وقال مايكل مكارثي كبير خبراء السوق في “سي. إم. سي ماركتس”: “ضعف الدولار يدعم المعادن الأساسية والنفيسة، ولكن يبدو أن المتعاملين في النفط يركزون على المؤشر الاقتصادي الذي ينم عنه ضعف الدولار ألا وهو دمار الطلب”.
وعادة ما يسهم ضعف الدولار في تحسين الطلب إذ يجعل الخام أرخص للمشترين في أرجاء العالم.
ونزل الدولار لأقل مستوى في عامين أمام سلة من ست عملات رئيسة مع تزايد حالات الإصابة بكورونا في الولايات المتحدة، ولكن قد تكبح الخسائر حزم مساعدة جديدة من الحكومة تدعم الطلب على الوقود.
وتوقع خمسة محللين في استطلاع أجرته “رويترز”، أن تشير بيانات المخزونات الأمريكية إلى انخفاض مخزونات المنتجات المكررة في الأسبوع الماضي في حين يستقر مخزون الخام‭‭‭‬‬‬.‬ ‬‬
من جانب آخر، تراجعت سلة خام “أوبك” وسجل سعرها 43.14 دولار للبرميل أمس الأول، مقابل 43.38 دولار للبرميل في اليوم السابق.
وقال التقرير اليومي لمنظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك) أمس، إن سعر السلة التي تضم متوسطات أسعار 13 خاما من إنتاج الدول الأعضاء في المنظمة حقق ثاني انخفاض له على التوالي، كما أن السلة كسبت بضعة سنتات مقارنة باليوم نفسه من الأسبوع الماضي الذي سجلت فيه 43.03 دولار للبرميل.

المصدر: الاقتصادية

Share on facebook
Share on twitter
Share on linkedin
Share on whatsapp
Share on email

أحدث​ المقالات

الشلل الرقمي وتأثيره عالمياً

أصبحت التكنولوجيا الرقمية وما يرتبط بها من وسائل التواصل الاجتماعي والهواتف الذكية والمواقع الإلكترونية جزءاً هاماً من حياتنا اليومية ولا يمكن الاستغناء عنها، فجميعنا يتفقد

تفاصيل »

الذكاء الاصطناعي.. ثورة أم تهديد؟

يُعدُّ الذَّكاءُ الاصطناعيُّ، أداةً ثوريَّةً ستُحدِثُ تحوُّلًا هائلًا في كافَّةِ المجالاتِ، خاصَّةً الصناعةَ، فخلالِ السنواتِ القليلةِ المقبلةِ سيتغيَّرُ القطاعُ الصناعيُّ بشكلٍ جذريٍّ، وستحلُّ الربوتاتُ مكانَ

تفاصيل »