الهيكلة وإعادة الهيكلة ضرورة عمل أم ترف إداري.؟

في ظل التوسع والتشعب في أعمال منظماتنا العربية، وفي سبيل القيام بالأعمال بشكل كفؤ وفعال من خلال إسناد الأعمال لشاغلي الوظائف وفقًا لتخصصية العمل وطبيعته الفنية، تظهر عمليات الهيكلة وإعادة الهيكلة كسبيل لتحقيق المنظمات لأهدافها الاستراتيجية والتشغيلية واستدامة أنشطتها.

ويمكن هنا التمييز ما بين الهيكلة وإعادة الهيكلة بأن عمليات الهيكلة هي عمليات يتم من خلالها تحديد وتصميم الوظيفة الأساسية للمنظمة وأعمالها وأنشطتها الرئيسية، حيث يتم من خلالها وضع الأهداف الاستراتيجية والتشغيلية ومكونات المنظمة التنظيمية من وحدات إدارية، ورسم خطوط الاتصال الافقي والعامودي بين مستويات التنظيم، وتوصيف وتصنيف الوظائف داخل المنظمة، وتحديد الأعداد اللازمة من الموظفين لتحقيق أهداف المنظمة، ورسم خرائط تدفق العمل ووضع مؤشرات قياس الأهداف وطرق قياسها ورصد المخصصات المالية لتأمين الموارد البشرية والمادية من معدات ومباني وأجهزة.

في حين تتم عمليات إعادة الهيكلة عادة عندما تقوم إدارة المنظمة بتقييم يفضي إلى الحاجة لإعادة النظر في هياكلها التنظيمية وخطوط الاتصال المؤسسي فيها، وأساليب العمل لديها والإجراءات المتبعة لتتماشى مع مستجدات العمل والتشريعات القانونية الناظمة، والمتطلبات المحلية والإقليمية والدولية والتطورات التكنولوجية. الأمر الذي يستدعي إعادة النظر والمراجعة لأهدافها الاستراتيجية، وبالتالي أهدافها التشغيلية وبرامج العمل في سبيل تخفيض الكلف وتحسين الأداء، وربما خفض العمالة بالتسريح أو إعادة توزيع العمالة الفائضة وتأهيلها وتمكينها بالتدريب المتخصص للقيام بالوظائف الجديدة المطلوبة منها.

وحتمًا في حال قيام المنظمات بعمليات الهيكلة وإعادة الهيكلة على أسس ومبادئ علمية من تخطيط للأهداف ورسم للسياسات وبرامج العمل ووضع المستهدفات الذكية القابلة للتحقيق ومؤشرات قياسها وتحليل عبء العمل والاحتياجات الفعلية من الموارد البشرية، لابد لتلك المنظمات أن ترفع من كفاءة عملياتها وتحقق المستهدفات اللازمة لاستدامتها وتوسيع أنشطتها.

غير أن العديد من عمليات الهيكلة وإعادة الهيكلة قد تستخدم إذا ما تمت دون أسس علمية واضحة كوسيلة غير أخلاقية في بعض المنظمات لتسريح العمالة، وخصوصًا تلك الأقل تعلمًا وتأهيلًا وتمكينًا، كما قد تفضي لبعض النتائج السلبية كاستحداث وحدات تنظيمية جديدة لا حاجة لها إلا لغاية واحدة، هي خلق وظائف قيادية أو إدارية لأشخاص بعينهم دون وجه حق، مما قد يضعف الروح المعنوية والرضا لدى بقية العاملين، وقد تؤدي أيضًا لتداخل في الصلاحيات والمسؤوليات، وتؤدي لخلق حالة من الفوضى وضعف الاتصال بين جميع مستويات التنظيم، وهدر لموارد المنظمة المالية وعدم الاحتفاظ بطاقات ومواهب مواردها البشرية.

وخلاصة القول إن عمليات الهيكلة وإعادة الهيكلة لها أهميتها وضرورتها الملحة لتحقيق المنظمات لأهدافها الاستراتيجية ولاستدامة أنشطتها بما يواكب التطورات والمستجدات، وقد يكون لها أثرها السلبي على العاملين والمنظمات على حد سواء إذا ما استخدمت لغير أهدافها التنظيمية.

د. صهيب مصطفى القضاة

خبير رأس مال بشري وتطوير مؤسسي

Share on facebook
Share on twitter
Share on linkedin
Share on whatsapp
Share on email

أحدث​ المقالات

الشلل الرقمي وتأثيره عالمياً

أصبحت التكنولوجيا الرقمية وما يرتبط بها من وسائل التواصل الاجتماعي والهواتف الذكية والمواقع الإلكترونية جزءاً هاماً من حياتنا اليومية ولا يمكن الاستغناء عنها، فجميعنا يتفقد

تفاصيل »

الذكاء الاصطناعي.. ثورة أم تهديد؟

يُعدُّ الذَّكاءُ الاصطناعيُّ، أداةً ثوريَّةً ستُحدِثُ تحوُّلًا هائلًا في كافَّةِ المجالاتِ، خاصَّةً الصناعةَ، فخلالِ السنواتِ القليلةِ المقبلةِ سيتغيَّرُ القطاعُ الصناعيُّ بشكلٍ جذريٍّ، وستحلُّ الربوتاتُ مكانَ

تفاصيل »