تعزيز النزاهة الوطنية يحتاج إلى رغبة حكومية صادقة لمكافحة الفساد والإصلاح، وإلى برلمان مستقل يمثل مصالح الشعب لا تشوب أعضاءه الشبهات، وإلى وعي مجتمعي ومشاركة عامة تسمح للجميع بالتعبير عن آرائهم المختلفة، وقضاء مستقل، ووسائل إعلام حرة ونزيهة، وإلى الحوكمة الرشيدة والشفافية اللتين يتم من خلالهما تبادل المعلومات بسلاسة بين كل مؤسسات البلد لتعزيز الرقابة ومكافحة الفساد لحظة وقوعه ومنع تفاقمه. هذه البيئة الصحية أغلبها غير متاح، ولن تتحقق عملية مكافحة الفساد من دون رفع سقف الحريات وتعديل القوانين التي تُجرم حق التعبير عن الرأي والتي وللأسف شُرعت تحت قبة البرلمان وأنهكت كاهل الشعب وتراجعت بالمجتمع، وهي أيضاً سبب من أسباب التأخر في إقرار التعليم عن بعد، وتلك القوانين هي: «قانون حماية الوحدة الوطنية – قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات – قانون المطبوعات والنشر – قانون الإعلام المرئي والمسموع – قانون المحاكمات الجزائية – قانون الجزاء». وقد تم تسليم مجلس الأمة في 2018، نسخ التعديلات المقترحة من قِبل مجموعة من المجتمع المدني متمثلة في جمعية الحرية الكويتية وحملة التغريد ليس جريمة، وتفاعل العديد من أعضاء مجلس الأمة مع تلك القوانين، ولكن المحصلة النهائية لم تخرج من نطاق الوعود كما هو دارج ومعتاد! أصبح أغلب أفراد المجتمع متوجسين على مصائرهم، حزينين على وطنهم، خائفين على مستقبل أبنائهم الذين أصبحوا طعماً سهلاً لتلك القوانين المقيدة للرأي. في المقابل، إن من يتعدى على المال العام ويستغل سلطاته لمصالحه الخاصة ويخفق في أداء مسؤولياته وواجباته، لا يطوله في الأغلب الحساب، والشواهد كثيرة.. والوجع عميق. يأبى أغلب المواطنين المبادرة إلى تلبية دعوة نزاهة إلى الإدلاء بما لديهم من بلاغات أو شهادات على وقائع فساد، رغم وعود نزاهة بتوفير أكبر قدرٍ من الحماية للمبلّغين والشهود، وفق القانون، حيث أصبحت ثقة المجتمع في الإدارة الحكومية والبرلمان على المحك، وهذا أمر جلل يجب على الإدارة الرشيدة إدراك مخاطره العديدة التي نرى جميعاً بعض انعكاساتها السلبية على الأزمة الصحية وتأثيرها في الوضع الاقتصادي والاجتماعي للبلد. محاربة الفاسدين من دون تغيير المنظومة المترهلة المستقطبة للفساد هي كمحاربة البعوض في مستنقع ضحل راكد!
إيمان جوهر حيات
القبس الإلكتروني – 22 يونيو 2020
