العمالة بين الطموح والواقع

لدينا طموح في تعديل التركيبة السكانية، ولدينا واقع يتناقض مع طموحاتنا. البلد في نمو وتوسع، وهذه العمالة مرتبطة بسوق عمل واقتصاد، وليست مرتبطة بعواطف. ردة الفعل والمطالبة بتعديل التركيبة السكانية بتصريحات عائمة وتخفيضها إلى أرقام محددة وعشوائية وردود أفعال عاطفية، لا يمكن تطبيقها في غياب السياسة التعليمية ومتطلبات احتياجات سوق العمل. وان كان هناك قصور في التركيبة السكانية فتتحمله الحكومة والشعب معا، قصور الحكومة يتمركز في فشل سياستها طوال عقود من الزمن، والشعب قصوره يتمحور في عزوفه عن كثير من التخصصات والوظائف، وكذلك الجشع المادي للبعض. يتصور الكثير منا أننا ما زلنا في زمن الثمانينيات والتسعينيات عندما كان عدد السكان مليونين، وحدود المدينة الدائري الرابع، من سنة الألفين الى يومنا هذا توسعت الكويت جغرافيا وسكانيا إلى الضعف، ومع ظهور أكثر من عشر مناطق سكنية، مساحة كل منطقة تعادل خمس مناطق، بالإضافة الى قيام المشاريع الحكومية العملاقة والخاصة؛ مثل المستشفيات والمستوصفات والمدارس والمجمعات التجارية والاستثمارية والسكنية والطرقات والموانئ والمطار وإلى آخره، وكل هذا التوسع لم يأت من فراغ وانما قامت به العمالة الوافدة سواء بالبناء أو الخدمات. وجود الوافدين في الكويت مرتبط بسوق عمل، وليسوا سياحا أو زوارا حتى نخفّضهم إلى النصف أو الثلث أو الربع. اذا أردت تخفيض عدد العمالة يجب أن يكون على أسس علمية وواقعية وعمل توازن، بحيث لا يتأثر سوق العمل، والنسب يجب أن تتم بناء على معطيات ودراسات ومسح للسوق، وعلى ضوئها يتم تحديد النسب أو العدد والمدة الزمنية. لو أخذنا على سبيل المثال القطاع الخاص فهناك حوالي مليون وخمسمئة ألف وافد يعملون به في جميع الوظائف المختلفة، من أين تأتي بعمالة وطنية لتأخذ محلهم، حتى لو اشتغل جميع الكويتيين في هذا القطاع لن يغطوا احتياجاته. هناك مشكلة في مخرجات التعليم، والمشكلة الأكبر في البعثات الخارجية، حيث ترسل وزارة التربية سنوياً مئات الطلبة في بعثات بتخصصات، مثل العلاقات العامة والتسويق والفنون والعلوم السياسية وغيرها من تخصصات السوق ليس بحاجة لها ومتشبع، وتكلفتها المادية تعادل ربما تكلفة الدراسات العلمية أو أكثر مقارنة مع حاجاتنا الملحة لتخصصات مثل الطب بجميع تخصصاته والتمريض والتدريس والعلوم الطبية والعلوم التطبيقية والصناعية والميكروبولوجية وغيرها من تخصصات فنية. نعم نحتاج الى تنظيم وضوابط، ولكن هناك تناقضا واضحا بين ما يطرح والواقع، ويبدو لي كذلك البعض يجهل طبيعة التركيبة السكانية وتوزيعاتها، ولهذا كل خوفي ان الأمور لن تصلح، وسوف نستمر في النهج نفسه إذا لم نكن جادين بالمعالجة.

سلطان مساعد الجزاف – كاتب

القبس الإلكتروني – 7 يونيو 2020


Share on facebook
Share on twitter
Share on linkedin
Share on whatsapp
Share on email

أحدث​ المقالات

الشلل الرقمي وتأثيره عالمياً

أصبحت التكنولوجيا الرقمية وما يرتبط بها من وسائل التواصل الاجتماعي والهواتف الذكية والمواقع الإلكترونية جزءاً هاماً من حياتنا اليومية ولا يمكن الاستغناء عنها، فجميعنا يتفقد

تفاصيل »

الذكاء الاصطناعي.. ثورة أم تهديد؟

يُعدُّ الذَّكاءُ الاصطناعيُّ، أداةً ثوريَّةً ستُحدِثُ تحوُّلًا هائلًا في كافَّةِ المجالاتِ، خاصَّةً الصناعةَ، فخلالِ السنواتِ القليلةِ المقبلةِ سيتغيَّرُ القطاعُ الصناعيُّ بشكلٍ جذريٍّ، وستحلُّ الربوتاتُ مكانَ

تفاصيل »