العمل عن بُعد

بعد انحسار جائحة الكورونا، يتوقع الكثير من المحللين، أننا سندخل طوراً جديداً، من طرق ممارسة الأعمال المكتبية عن بعد، طور يتم فيه الاعتماد بصورة كبيرة، على ممارسة الأعمال عن بعد، خاصة بعد تحقيق نجاح كبير، في العمل بهذه الطريقة، وقد تمتد هذه الطريقة، لتشمل الأقسام النظرية في الجامعات والمعاهد، وربما الفصول دون الجامعية في المدارس. ومع هذه وتلك، ربما يصار إلى التوسع في عقد الاحتماعات والندوات والموتمرات الصحفية عن بعد، وهي طريقة ستخفف الضغط على كبار المسؤولين، خصوصاً وأن قطاعاً كبيراً منهم، يضيقون ذرعاً بالالتقاء وجهاً لوجه، مع الإعلاميين! وقد نشرت وسائل إعلام فرنسية قبل أيام، استطلاعاً أخذت فيه رأي الجمهور، في ممارسة الأعمال الإدارية والتعليمية عن بُعد، التي مورست على نطاق واسع في الأشهر القليلة الماضية، تحوطاً من عدوى الكورونا، حيث خلص من أخذت آراؤهم في هذا الموضوع، إلى الترحيب باتباع هذه الطريقة، على نطاق واسع، مع استثناءات قليلة، تخص العاملين في الحقول المدنية والصحية. إن العمل من المنزل سوف يحقق العديد من الفوائد لممارسيه، وأبرز هذه الفوائد، العمل براحة تامة، بعيداً عن الضغوط المباشرة، من مدير العمل ومن المراجعين، وما يتبع ذلك من الترشيد في مصاريف وسيلة النقل، وما يتبع ذلك من الضغط العصبي الذي تسببه قيادة السيارة، أما مكاسب المؤسسات ومقار العمل، فإنها ستكون كبيرة، ترشيد شديد في مقار العمل، من حيث الصرف على الماء والكهرباء والصيانة والنظافة، لكن الترشيد الأكبر سيكون في تقليص مقار الأعمال بصورة كبيرة، وسوف تستفيد من هكذا خطوة جهات، وتتضرر جهات، وأبرز هؤلاء الدولة التي يتبعها أو تدير القطاع العام، وأصحاب الشركات والمؤسسات الكبيرة، كل هذه الجهات سوف تستفيد أولاً من ترشبد مصاريف مقار الأعمال، ومن التقليص في أعداد العاملين. أما الخاسرون من هكذا طريقة، فمن أبرزهم طالبو العمل من الشباب أو الخريجين الجدد، الذين يتعين هكذا في هكذا حالة، الانتظار طويلاً، حتى العثور على فرصة عمل، حتى الأجور سوف يطالها الانخفاض أو الترشيد، ومع هؤلاء سوف يطال ضرر كبير، الذين يقومون أو يقدمون الخدمات المساندة لهذه الجهات، مثل شركات النظافة والصيانة، والترتيب للحفلات والمؤتمرات وخدمات التوظيف أو جلب العمالة. لكن الخسارة الأكبر ليست هنا، أنها في الفجوات التي ستطل برأسها، عندما ينعزل كل موظف في عشه أو بيته أو غرفته أو مكتبه، وأبرز هذه الفجوات، الفاتورة الكبيرة للعزلة، وما يتبعها من مشكلات اجتماعية وأسرية ووظيفية، وتفاقم لأمراض القلق، والاضطرابات النفسية والسلوكية! حلاوة الحياة في هذه “اللمة” التي نراها في الدواوين والأسواق والجامعات والمدارس وحتى المستشفيات. إن الوحدة كما قيل، قرين السوء، حتى الموت مع الجماعة رحمة! فكيف بالحياة؟

حسين علي حسين – كاتب

جريدة الرياض – 5 يونيو 2020

Share on facebook
Share on twitter
Share on linkedin
Share on whatsapp
Share on email

أحدث​ المقالات

الشلل الرقمي وتأثيره عالمياً

أصبحت التكنولوجيا الرقمية وما يرتبط بها من وسائل التواصل الاجتماعي والهواتف الذكية والمواقع الإلكترونية جزءاً هاماً من حياتنا اليومية ولا يمكن الاستغناء عنها، فجميعنا يتفقد

تفاصيل »

الذكاء الاصطناعي.. ثورة أم تهديد؟

يُعدُّ الذَّكاءُ الاصطناعيُّ، أداةً ثوريَّةً ستُحدِثُ تحوُّلًا هائلًا في كافَّةِ المجالاتِ، خاصَّةً الصناعةَ، فخلالِ السنواتِ القليلةِ المقبلةِ سيتغيَّرُ القطاعُ الصناعيُّ بشكلٍ جذريٍّ، وستحلُّ الربوتاتُ مكانَ

تفاصيل »