الاستثمار في القطاع الصحي

مما لا شك فيه أن أزمة كوفيد-19 غيرت الكثير من المفاهيم حول العالم، سواء على صعيد الحكومات والدول، أو على نطاق الأفراد، كما أنها عززت اهتمام الجميع بالقطاع الصحي تحديداً وكيفية العمل على تطويره والارتقاء بقدراته ليصبح قادراً على مواجهة الأزمات الصحية والاستمرار في تقديم أفضل الخدمات للمرضى، خاصة في ظل الظروف غير المسبوقة التي يعيشها العالم اليوم مع انتشار هذا الوباء الذي لم يجد له العالم دواءً أو لقاحاً حتى الساعة.

ولقد دفعت الأزمة الحالية الحكومات حول العالم إضافة إلى منظمات الرعاية الصحية المختلفة إلى الاستثمار بشكل أكبر في القطاع الصحي، وإعادة النظر في مدى قوة نظام الرعاية الصحية وقدرته على الصمود، فالجميع يعمل اليوم على وضع الخطط والاستراتيجيات الأفضل لبناء أنظمة صحية وطنية ومحلية متينة، تشكل حجر الأساس لضمان الأمن الصحي العالمي والتغطية الطبية العالمية الشاملة.

يقوم العالم اليوم بإنفاق سبعة آلاف مليار دولار سنوياً ضمن القطاع الصحي، أي ما يقارب 10 % من إجمالي الناتج المحلي للدول، إلا أنه ورغم ذلك يعاني أكثر من خمسة مليارات شخص حول العالم من خطر عدم تلقي الخدمات الصحية الأساسية في عام 2030، وذلك بسبب النقص في المعالجين والأدوية الضرورية ومياه الشفة في المستشفيات.

وتولي المملكة أهمية كبيرة للقطاع الصحي، حيث وصلت النفقات في هذا القطاع إلى 15.6 % من الميزانية السنوية لعام 2019، وهي ثالث أكبر نسبة نفقات ضمن القطاعات كافة. كما تقوم الحكومة اليوم بضخّ الأموال في القطاع الصحي بهدف إنشاء بنية تحتية قوية تغطي كافة المملكة.

كما وضعت المملكة سلسلة من الأهداف المتعلقة بالقطاع الصحي لعام 2020، شملت رفع نسبة النفقات المخصصّة للقطاع الصحي الخاص من 25 ٪ إلى 35 ٪ من إجمالي نفقات هذا القطاع، إضافة إلى زيادة عدد المنشآت الصحية المرخصة من 40 إلى 100 مُنشأة، وزيادة عدد المستشفيات المعتمدة دوليّاً، ومضاعفة عدد زيارات الرعاية الصحية الأوليّة للشخص الواحد، فضلاً عن ارتفاع النسبة المئوية للمرضى الذين يتلقون الرعاية الصحية بعد الرعاية الحرجة والاستشفاء طويل الأجل، لمدّة تصل إلى أربعة أسابيع بنسبة من 25 ٪ إلى 50 ٪، وتحسين جودة الخدمات الصحية الوقائية والعلاجية، والتركيز بشكل أكبر على الابتكارات الإلكترونية في مجال الرعاية الصحية.

وأعلنت وزارة الصحة في المملكة عن توسيع نطاق خدماتها ليشمل تقديم الاستشارات الطبية المرئية والصوتية عن بعد، والاتاحة لجميع المواطنين عملية الحصول على استشارة طبية مباشرة مع أطبائهم من جميع مناطق المملكة، وزيادة أعداد المستفيدين من التطبيقات، من أجل استثمار التقنيات الحديثة في تقديم الخدمات الطبية للمواطنين، وإعطائهم الفرصة في التواصل مع مختصين. ولقد أصبحت الاستشارات الطبية عبر الانترنت مصدراً أساسياً للحصول على النصائح والارشادات الخاصة بالرعاية الطبية بين المستهلكين، حيث يزداد الطلب على التقنيات الصحية الرقمية اليوم بسبب الأوضاع الراهنة وغير المسبوقة التي يعيشها العالم، والذي يحتم ضرورة تعزيز قدرة الاستيعاب في العيادات والمستشفيات.

وأثبتت الدراسات الأخيرة أن 85 ٪ من المتخصصين في مجال الرعاية الصحية في السعودية يستخدمون حالياً شكلاً من أشكال التكنولوجيات الصحية الرقمية أو التطبيقات المرتبطة بالصحة على الهاتف المتحرك. وتمكن السعودية اليوم المستثمرين الأجانب في القطاع الصحي من التملك بنسبة 100 ٪، إضافة إلى خصخصة 295 مستشفى و2259 مركز رعاية صحية وزيادة عدد الأطباء إلى 13700 بحلول عام 2030. ويأتي ذلك في إطار رؤية المملكة 2030، والتي تهدف بشكل أساسي إلى تعزيز التنويع الاقتصادي، وتطوير القطاعات غير النفطية، إضافة إلى تفعيل دور القطاع الخاص وتعزيز مشاركته في الدورة الاقتصادية عبر تشجيع الاستثمارات المحلية والدولية في العديد من الصناعات الرئيسية بما في ذلك قطاع الرعاية الصحية.

وستعمل هذه الإجراءات على تعزيز فرص رواد الأعمال والمبتكرين في تقديم أفكار وابتكارات جديدة تدعم الحلول المستقبلية وتطوير مستوى الحياة في المملكة، حيث تسعى السعودية إلى إحراز تقدم كبير في مضاعفة التوقعات الطبية المستقبلية، من خلال العمل على إعداد وتجهيز نظام صحي متكامل قادر على استيعاب مختلف حالات الطوارئ والعمل خلال الأزمات والكوارث الصحية، وذلك عبر توجهات جديدة وخريطة استثمارية تحاكي تطلعات المستثمرين المحليين والأجانب، وتضاعف استخدام تقنيات المعلومات والاتصال، واستكشاف حلول مبتكرة ضمن القطاع الصحي الرقمي.

في الختام، يبدو أن توجيه البوصلة نحو القطاع الصحي في عالم الاستثمار، بات ضرورة قصوى لاستمرار النجاح والتطور ولحماية الدول من تداعيات الأوبئة والأزمات الصحية، خاصة بعد أزمة انتشار فيروس كورونا الذي شكل ولا يزال تهديداً قوياً لاقتصادات كبرى الدول حول العالم، حيث باتت الحكومات اليوم تتطلع إلى كيفية العمل على تقوية دعائم هذا القطاع ليتمكن من استيعاب المتغيرات المستجدة في العالم والتعامل مع حالات الطوارئ عند حدوثها.

هاني خاشقجي – مستشار للاستراتيجيات التسويقية

جريدة الرياض – 1 يونيو 2020


Share on facebook
Share on twitter
Share on linkedin
Share on whatsapp
Share on email

أحدث​ المقالات

الشلل الرقمي وتأثيره عالمياً

أصبحت التكنولوجيا الرقمية وما يرتبط بها من وسائل التواصل الاجتماعي والهواتف الذكية والمواقع الإلكترونية جزءاً هاماً من حياتنا اليومية ولا يمكن الاستغناء عنها، فجميعنا يتفقد

تفاصيل »

الذكاء الاصطناعي.. ثورة أم تهديد؟

يُعدُّ الذَّكاءُ الاصطناعيُّ، أداةً ثوريَّةً ستُحدِثُ تحوُّلًا هائلًا في كافَّةِ المجالاتِ، خاصَّةً الصناعةَ، فخلالِ السنواتِ القليلةِ المقبلةِ سيتغيَّرُ القطاعُ الصناعيُّ بشكلٍ جذريٍّ، وستحلُّ الربوتاتُ مكانَ

تفاصيل »