توطين الوظائف

أدركت الحكومة السعودية أهمية سعودة الوظائف أو كما تسمى حديثاً «توطين الوظائف»، وذلك منذ الطفرة البترولية في الربع الأخير من السبعينيات من القرن الميلادي الماضي، حيث أعلنتها وجعلتها أهمية قصوى وهدفا من الأهداف الإستراتيجية السامية للخطط الخمسية المتتالية، لكنها واجهت حتى اليوم تحديات كبيرة على مستوى القطاع الخاص لأسباب مبررة وأخرى غير مبررة. ولقد أدمن القطاع الخاص على العمالة الوافدة اعتقادا منه بأنها مؤهلة ومنتجة ومنخفضة التكاليف، لكن الدراسات أثبتت عدم صحة هذا الاعتقاد السائد بين أصحاب الأعمال في المملكة.

الجدير بالذكر أنه عندما تواجه وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية تحديات في تنفيذ السياسات التي تحقق الأهداف الوطنية، فإن بعض المسؤولين فيها يعيدون صياغة السياسات بطرق أخرى تؤدي إلى غموض الأهداف بالنسبة للقطاع الخاص. ما يؤثر على استمرارية التطوير والبناء فيما يخص توطين الوظائف، ولقد خرجت علينا سياسة نطاقات وغيرها من المعايير العجيبة التي لا يصدقها المسؤولون في تلك الوزارة، فكيف بالمواطن الذي يبحث عن وظيفة يكسب من خلالها لقمة العيش الكريمة والاستقرار الأسري.

الحقيقة أن المادة 77 تعطي حق التسريح للكثير من الشركات التي لا ترغب في توطين الوظائف؛ لأنها ترى أن تكلفة الوافدين عليها اقل من تكلفة السعوديين، وهذه نظرة خاطئة في المدى البعيد لأن المواطن سيبقى مع الشركة لسنوات طويلة ما يحقق استمرارية الأداء والإنتاجية بوتيرة إيجابية بينما تتلاشى المنفعة بمغادرة الوافد للشركة. وللعلم فإن مغادرة الموظف الوافد للشركة تؤثر سلباً في إنتاجيتها ومنافستها، خاصة إذا اتجه للعمل مع شركات أجنبية منافسة خارج المملكة. إذاً يجب النظر بشمولية إلى توطين الوظائف لنعرف أن الفائدة من توظيف السعوديين أكثر من الفائدة من توظيف الوافدين.

بلا شك أن المادة 77 تعطي الشركات الفرصة في تسريح الموظف السعودي واستقدام الموظف الأجنبي بحجة أن المواطن السعودي غير منتج أو غير جاد بالعمل.

إن تجاوز شرط السعودة بمقابل رسوم مالية يعد أوضح مؤشر على ما تواجهه سياسة توطين الوظائف؛ لأنه يحفز الشركات على دفع الرسوم مقابل الاستمرار في توظيف الأجنبي والاستغناء عن توظيف السعودي. السعوديون هم من صنع أرامكو السعودية وسابك وغيرها من الشركات العملاقة في المملكة لأنهم وجدوا البيئة المحفزة مالياً وإدارياً وقيادياً وتدريبياً ومعنوياً، ولذلك أنتجوا وتميزوا وأبدعوا في وظائفهم.

الخلاصة نأمل أن تعيد وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية النظر في قرارها الخاص بالتغاضي عن نسبة السعودة في المنشآت التي لا تستطيع توظيف السعوديين مقابل رسوم مالية لأن هذا سيحفزها على توظيف العمالة الوافدة والتخلص من السعوديين بحجج واهية. إن رسوم تجاوز شرط السعودة محفز لا يخدم توطين الوظائف في المملكة. وبإمكان وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية ملاحقة الشركات التي تلجأ إلى السعودة الوهمية وتغريمها، بل وإيقاف تراخيص عملها بدلاً من تشجيعها على التهرب من توظيف المواطنين المؤهلين، وذلك بدفعها الرسوم للتغاضي عن نسبة السعودة فيها.

د. عبدالوهاب القحطاني – أستاذ الإدارة الإستراتيجية وتنمية الموارد البشرية بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن

جريدة اليوم – 28 مايو 2020

Share on facebook
Share on twitter
Share on linkedin
Share on whatsapp
Share on email

أحدث​ المقالات

الشلل الرقمي وتأثيره عالمياً

أصبحت التكنولوجيا الرقمية وما يرتبط بها من وسائل التواصل الاجتماعي والهواتف الذكية والمواقع الإلكترونية جزءاً هاماً من حياتنا اليومية ولا يمكن الاستغناء عنها، فجميعنا يتفقد

تفاصيل »

الذكاء الاصطناعي.. ثورة أم تهديد؟

يُعدُّ الذَّكاءُ الاصطناعيُّ، أداةً ثوريَّةً ستُحدِثُ تحوُّلًا هائلًا في كافَّةِ المجالاتِ، خاصَّةً الصناعةَ، فخلالِ السنواتِ القليلةِ المقبلةِ سيتغيَّرُ القطاعُ الصناعيُّ بشكلٍ جذريٍّ، وستحلُّ الربوتاتُ مكانَ

تفاصيل »