من يرمم اقتصادات كورونا ؟

من يمول فلاحا صغيرا في إحدى القرى في إنتاج العسل؟ ومن يمول مربيا للماشية في أحد الأرياف يعتمد على بيع الألبان؟ ومن يمول صائد سمك صغير في إحدى المناطق الساحلية دخله اليومي هو فقط ما يبيعه مما يصطاده بإمكاناته المتواضعة؟ ومن يمول امرأة تدير حضانة للأطفال في بيتها؟ ومن يمول الأطفال الصغار ليدخروا ما يقترضونه فيسددوا أقساط القرض والمتبقي في حساباتهم إدخار يخططون به مستقبلهم؟

قد يقول البعض بأن لدينا بنوكا تجارية وصناديق حكومية، لكن هذه المشروعات الصغيرة لا تقع ضمن اهتمامات الصناديق الحكومية والبنوك التجارية التي تشترط حدا أدنى للتمويل يتجاوز حده الأعلى مردود تلك المشروعات الصغيرة!

الشمول المالي حتى الآن هو الآلية الوحيدة التي تسمح لكافة فئات المجتمع أفراداً وأسراً ومؤسسات الحصول على الخدمات المالية والمصرفية بصرف النظر عن الدخل من عدمه و مستوى الدخل. فهل يعني هذا أن الأنظمة المالية من غير الشمول المالي تحرم بعض شرائح المجتمع من الأفراد والأسر والمؤسسات من الخدمات المالية؟

فالشمول المالي يشتمل على حسابات التوفير والادخار والحسابات الجارية، خدمات الدفع والتحويل والتمويل والائتمان والاستثمار ناهيك عن المنتجات التي تختلف وتتفاوت حسب السوق والأنظمة والتشريعات التي تنظم تلك المؤسسات، بالإضافة إلى الخدمات وفي مقدمتها الخدمات الإلكترونية من خلال الأجهزة الذكية.

لقد أحسن معهد الإدارة العامة صنعا بتظيمه مؤتمرا افتراضيا تحدث فيه الأستاذ ناصر القحطاني المدير التنفيذي لبرنامج الخليج العربي (أجفند) عن تجربة (أجفند) العريقة مع الشمول المالي وعن بنوك أجفند للشمول المالي المنتشرة في الدول العربية وبعض الدول الأفريقية. ومنتجات الشمول المالي والتي تراوحت ما بين القروض الفردية والجماعية مباشرة أو من خلال الجمعيات في مجالات التعليم وحضانات الأطفال ورياض الأطفال وبرامج التوسع من الشركات الصغيرة إلى المتوسطة وفي مجال الطاقة الشمسية وتربية المواشي والزراعة، وتنوعت برامج الادخار فيها ما بين حسابات الشباب وادخار الأطفال وقروض الاستثمار. كما اقترح القحطاني في محاضرته تأسيس صندوق للتمويل متناهي الصغر والصغيرة من خلال قروض بمميزات تنافسية للمؤسسات متناهية الصغر والصغيرة والرواد الأعمال.

لقد أثبتت لنا جائحة كورونا خلال الشهرين الماضيين أهمية الاقتصادات الاجتماعية الصغيرة والمتوسطة ودورها الحيوي في الأسواق المحلية مع توقف وانحسار وسائل النقل بين الدول بل وبين المناطق. وبرز دور صغار المزارعين محوريا في إمداد الأسواق المحلية بالمنتجات الزراعية المختلفة.

لعله من نافلة القول، إن الشمول المالي في المملكة والتوسع به واعتماده بشكل أساسي، يتطلب إجراء دراسة واسعة لمعرفة المنتجات المالية الموجودة وتلك التي يتطلبها المستهدفون، ومن هنا يتم وضع الأهداف ومن ثم تحديد الجهات المشاركة بهذا المشروع الوطني، ناهيك عن ضمان توفير وتقديم كافة المنتجات المالية والمصرفية بكل عدالة للمستهدفين مع مراعاة حقوق هذه الشرائح التي تعد الأكثر هشاشة اقتصاديا في المجتمع.

أضف إلى ذلك أهمية الأخذ بعين الاعتبار شريحة كبيرة من المتقاعدين من ذوي الدخول المنخفضة الذين يواجهون صنوف الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية والصحية، فلا بد أن تصمم منتجات الشمول المالي منسجمة ومتسقة مع رغبات وقدرات وحاجات هذه الشريحة غير القليلة وذلك لمساعدتها كي تساعد نفسها ولكي لا يبقى في المجتمع أحد مكسور ماديا و معنويا.

عبداللطيف الضويحي – كاتب سعودي

صحيفة عكاظ – 19 مايو 2020


Share on facebook
Share on twitter
Share on linkedin
Share on whatsapp
Share on email

أحدث​ المقالات

الشلل الرقمي وتأثيره عالمياً

أصبحت التكنولوجيا الرقمية وما يرتبط بها من وسائل التواصل الاجتماعي والهواتف الذكية والمواقع الإلكترونية جزءاً هاماً من حياتنا اليومية ولا يمكن الاستغناء عنها، فجميعنا يتفقد

تفاصيل »

الذكاء الاصطناعي.. ثورة أم تهديد؟

يُعدُّ الذَّكاءُ الاصطناعيُّ، أداةً ثوريَّةً ستُحدِثُ تحوُّلًا هائلًا في كافَّةِ المجالاتِ، خاصَّةً الصناعةَ، فخلالِ السنواتِ القليلةِ المقبلةِ سيتغيَّرُ القطاعُ الصناعيُّ بشكلٍ جذريٍّ، وستحلُّ الربوتاتُ مكانَ

تفاصيل »