القياديون والمؤتمرات الصحفية

يتعامل القادة السياسيون مع السياسات العامة والرؤى والتوجهات المستقبلية والعلاقات الدولية. ومن أهم مسؤوليات القادة اتخاذ القرارات المفصلية. ومن الطبيعي أن يكون لدى القيادي فريق من المساعدين والمستشارين في تخصصات مختلفة، وما خاب من استشار.

فيروس كورونا المستجد الذي تحول إلى جائحة بلغ من الخطورة وسرعة الانتشار والإصابات والوفيات حدا دفع بقادة الدول إلى مخاطبة الناس بشكل مباشر، وهذا نوع من التواصل المهم بين القيادة والشعب ليكون الجميع في مركب واحد. بعض القياديين يكتفي بمخاطبة الناس مباشرة بين فترة وأخرى حسب التطورات، وبعضهم تكلم بشكل محدود وفوض مهمة التواصل والإعلام للوزير صاحب العلاقة، أو للمختصين أو للمتحدث الرسمي. البعض الآخر ومنهم الرئيس الأميركي ترمب فضل التواجد اليومي في مؤتمر صحفي للحديث عن تطورات كورونا وما تقوم به الإدارة من إجراءات للوقاية والحد من انتشاره. هذا التواجد اليومي على مستوى الرئيس رأى البعض أنه غير ضروري وليس من مسؤوليات الرئيس أن يقوم بهذا الدور، والأفضل أن يترك المهمة للمختصين. سبب طرح هذا الرأي هو تحول المؤتمر الصحفي أحيانا إلى جدل بين الرئيس والإعلاميين، أو طرح آراء لا تتفق مع رأي المستشار الطبي الذي يكون متواجدا في المؤتمر. الرئيس ترمب استمر في مؤتمره الصحفي اليومي لعدة أسباب منها ما يتعلق بصفاته الشخصية، ومنها أنه فيما يبدو أنه يحرص على عدم إتاحة الفرصة لمن يريد استغلال الوباء لأهداف سياسية خاصة مع قرب الانتخابات الرئاسية. ومن أسباب ظهور الرئيس الأميركي أيضا بشكل يومي في المؤتمر الصحفي هو اختلاف الثقافة الأميركية عن باقي الدول.

أما بشكل عام فإن تواصل القائد مع الجمهور أمر بالغ الأهمية وخاصة في الأزمات، وحين يتعلق الأمر بقضية متخصصة يكون من الطبيعي الاستعانة بالمستشارين الذين تقع عليهم مسؤولية الأمانة والإخلاص والمصارحة في إبداء الآراء واقتراح الحلول. القيادي تقع عليه مسؤولية جسيمة فهو صاحب الكلمة الأخيرة في اتخاذ القرارات ولهذا يدرك أهمية الاستشارة وأهمية رأي المختصين.

أزمة كورونا التي اجتاحت العالم كانت اختبارا في القيادة، والإدارة، وفحصا للإمكانات والبنية التحتية ومستوى الرعاية الصحية، وثقافة المجتمع. تفاوت أسلوب التعامل مع جائحة كورونا من دولة لأخرى تبعا لاختلاف أساليب القيادة والإدارة، وتوفر الإمكانات، والثقافة السائدة في المجتمع. هذا التفاوت ظهر أيضا في أساليب التواصل التي تعكس ثقافة المجتمع. ليس هناك طريقة تواصل مناسبة لكل المجتمعات، لكن المؤكد أن القائد لن يلام إذا لم يخاطب الناس بشكل يومي، ولكنه سيلام إذا كان يتخذ قرارات فردية تتطلب استشارة المختصين. القائد الناجح هو الذي يستثمر قدرات الفريق الاستشاري الذي اختاره بنفسه ووضع فيه الثقة.

يوسف القبلان – كاتب

جريدة الرياض – 19 مايو 2020

Share on facebook
Share on twitter
Share on linkedin
Share on whatsapp
Share on email

أحدث​ المقالات

الشلل الرقمي وتأثيره عالمياً

أصبحت التكنولوجيا الرقمية وما يرتبط بها من وسائل التواصل الاجتماعي والهواتف الذكية والمواقع الإلكترونية جزءاً هاماً من حياتنا اليومية ولا يمكن الاستغناء عنها، فجميعنا يتفقد

تفاصيل »

الذكاء الاصطناعي.. ثورة أم تهديد؟

يُعدُّ الذَّكاءُ الاصطناعيُّ، أداةً ثوريَّةً ستُحدِثُ تحوُّلًا هائلًا في كافَّةِ المجالاتِ، خاصَّةً الصناعةَ، فخلالِ السنواتِ القليلةِ المقبلةِ سيتغيَّرُ القطاعُ الصناعيُّ بشكلٍ جذريٍّ، وستحلُّ الربوتاتُ مكانَ

تفاصيل »