إذا اعتلت الصحة اعتل الاقتصاد

اليوم الاقتصاد العالمي ومع عدم وجود لقاح ضد المرض حتى الآن يعيش حالة عدم اليقين فصناعة القرار تراوح ما بين الإقدام والإحجام للعودة إلى خيار فتح العزل الصحي ولو جزئياً.. ولكن ما يبدو أن الوقاية هي الخيار الوحيد المتاح للتخفيف من انتشار الفيروس كغسل اليدين بشكل متكرر وتغطية الأنف والفم بالمرفق أو المنديل عند العطس أو السعال، والحفاظ على مسافة حصيفة بين الأشخاص الآخرين في الأماكن العامة وهذه بعض التوصيات الرئيسية التي قدمتها وكالات صحية عديدة وعلى رأسها مركز مكافحة الأمراض الأمريكي..

خبراء الاقتصاد السلوكي أكدوا مؤخرًا أن سرعة التدخلات التي نجحت في تعزيز هذه الإجراءات الوقائية وترك التسويف مثل “دعنا نترك كل شيء للغد” حسن من الحد من تفشي الوباء إلا أن هناك بعض السلوكيات كالنسيان المتكرر وقلة الانتباه قد يعوقان تنفيذها في كثير من الأحيان.. فعلى سبيل المثال أثناء تجنب لمس العين والأنف والفم والتي وردت في قائمة التوصيات لوقف انتشار الفيروس أظهرت دراسة أجريت في عام 2015 أننا نلمس وجوهنا ثلاثاً وعشرين مرة في الساعة في المتوسط. وفي هذا الصدد أوصى خبراء الاقتصاد السلوكي بضرورة تعزيز السلوكيات الرامية لتحفيز النظافة الشخصية، على سبيل المثال تركيب عبوات الصابون المنزلية منخفضة التكلفة أو تضمين الألعاب في صابون الأطفال أو إطلاق حملات تعزيز النظافة بشكل عاطفي.

اليوم من الأهمية بمكان تجنب الذعر والأخذ بمحفزات الصحة العامة حتى لا تلعب العوامل السلوكية في المزيد من التدهور الاقتصادي والاجتماعي.. فالعادات السلوكية الجيدة التي تعزز النظافة العامة والشخصية ستحقق مكاسب طويلة المدى على الصحة العامة وتضمن المزيد من الاستقرار النفسي والاجتماعي والاقتصادي وتقلل من فوضى عدم اليقين إلى التفاؤل بالوصول لليقين كما حصل في كل الأوبئة التي مرت على البشرية في السابق.

اليوم التدخلات القائمة على الاقتصاد السلوكي ستحقق المزيد من الفرص لإحداث تغييرات دائمة يمكن أن تترجم في عادات جديدة ذات فوائد صحية طويلة الأجل، هذا من ناحية، ومن ناحية اخرى ستساهم في الحد من إرهاق أنظمة الرعاية الصحية وهذا امر رئيسي يثير قلق مقدمي الرعاية الصحية خاصة في مثل هذه الجائحة.. ومع ان تغيير بعض العادات قد يكون امراً صعباً حتى مع توفر المعلومات الصحية التي تؤيد ذلك إلا أن من الممكن حدوث ذلك التغيير اذا أتى من نفس المجتمع وعبر مؤسسات المجتمع المحلي غير الربحي وليس من السلطات الصحية من باب القدوة والمشاركة الاجتماعية والإحسان والمسؤولية المجتمعية.

د. عبدالله الحريري – صحفي وكاتب سعودي

جريدة الرياض – 9 مايو 2020


Share on facebook
Share on twitter
Share on linkedin
Share on whatsapp
Share on email

أحدث​ المقالات

الشلل الرقمي وتأثيره عالمياً

أصبحت التكنولوجيا الرقمية وما يرتبط بها من وسائل التواصل الاجتماعي والهواتف الذكية والمواقع الإلكترونية جزءاً هاماً من حياتنا اليومية ولا يمكن الاستغناء عنها، فجميعنا يتفقد

تفاصيل »

الذكاء الاصطناعي.. ثورة أم تهديد؟

يُعدُّ الذَّكاءُ الاصطناعيُّ، أداةً ثوريَّةً ستُحدِثُ تحوُّلًا هائلًا في كافَّةِ المجالاتِ، خاصَّةً الصناعةَ، فخلالِ السنواتِ القليلةِ المقبلةِ سيتغيَّرُ القطاعُ الصناعيُّ بشكلٍ جذريٍّ، وستحلُّ الربوتاتُ مكانَ

تفاصيل »