دكتاتور اقتصادي

توقّع تقرير صادر عن البنك الدولي أن يتفاقم عجز الموازنة في الكويت من 3 في المئة من إجمالي الناتج المحلي في السنة المالية الفائتة الى 13.6 في العام المالي 2019 / 2020، مدفوعا بارتفاع الإنفاق وانخفاض العائد النفطي، وقد يرتفع أكثر هذه السنة.. ووفق تقرير صادر عن بنك HSBC، فإن ذلك سيساهم في زيادة عجز ميزانية الكويت وبعض دول الخليج، وهو حالياً الأعلى في العالم (نقلا عن القبس). تلك كانت مقدمة حتمية لتبرير ما سيرد لاحقا. كما شهدت فترة فيروس كورونا المستجد بالكويت دكتاتورا صحيا ممثلا بوزير الصحة د. باسل الصباح، الذي كان مدعاة للفخر والترحيب، وكان ولا يزال، محل الاعجاب بفضل إدراكه وحسه الصحي الذي ساهم بوضع البلاد في مصاف الدول التي تعاملت بنجاح مع ظرف صحي جديد على العالم وخطير علينا كلنا.. فإن ذلك حصل لأنه كان دكتاتورا في قراراته التي انطلقت من رؤية ثاقبة وقراءة صحيحة للمستقبل وما يجب عمله والحزم بشأن تطبيقه هو والطاقم العامل معه. بعد أن تنجلي أزمة «كورونا» بكل تداعياتها، ستترك أثرا اقتصاديا جديدا (او لنقل انها بالفعل بدأت تترك اثرها) في كل شيء، مقارنة بالوضع السابق، وصعبا عمّا مضى، لان الصنبور الذي كانت تهدر منه ملايين الدنانير بعد بيع برميل النفط بمئات الدولارات فيملأ خزائن ميزانيتنا أصبح اليوم ضعيفا لانخفاض سعر برميل النفط الى ارقام لم نقرأها منذ سنوات طويلة جدا. هذا الوضع الاقتصادي الجديد الذي بنيت عليه الحقائق التي وردت في تقرير البنك الدولي، والذي يجب ان يعترف جميعنا بأنه لن يكون سهلا يتطلب من حكومتنا الحالية التعامل معه بصرامة وجدية مطلقة، وبنجاح ايضا.. كما تعاملت مع ازمة «كورونا» من جانبها الصحي. في الفترة المقبلة، ستنتهي دكتاتورية وزير الصحة، التي يجب ان يسلم رايتها لوزير المالية، باعتباره المسؤول المباشر عن القطاع المالي والاقتصادي بالكويت؛ ليعلن دكتاتوريته هو ايضا، من خلال إجراءات قوية حازمة تغيّر نهج الحياة بالكويت عما كانت عليه خلال فترات الرخاء. هذه الرؤية، وهذا التحرّك، سيكونان بالتأكيد محل رفض واعتراض مجتمعي وبرلماني مِن بعض مَن يرون فيها أموراً لا مبرر لها، وان «الخير وايد، والله لا يغيّر علينا». رد الفعل هذا متوقع، لأن الإصلاحات الاقتصادية الشديدة ستكون قاسية على المواطن الذي تعوّد على الدلال والرعاية المطلقة؛ فكل شيء يحصل عليه بسهولة من دون اي التزامات اقتصادية ازاء الدولة. المواطن الكويتي تعوّد على هذا الوضع المريح، وهذا حقه في مرحلة الرخاء، الا ان دوام الحال من المحال؛ فالقادم لن يكون أبدا كما كان لتغيّر الظروف والمعطيات. الدكتاتورية الاقتصادية تتطلب شخصية واعية وقارئة للمستقبل وقادرة على تشخيص المستقبلَين القريب والبعيد وتشريحهما، ووضع الحلول الناجعة والمطلوبة جدا، بعيدا عن العواطف والترضيات والمبنية على حقائق علمية وعلى الارقام والاحصائيات والتوقّعات.. هذه المرحلة تحتاج دكتاتورا اقتصاديا، قويّاً، بكل ما تعنيه هذه الكلمة. هذه الشخصية تحتاج دعما قويا ايضا؛ لتتسنى لها مواجهة موجة الغضب والاعتراض لسبب او من دون، والقدرة على التنفيذ والاقناع بالحجة والحاجة.

إقبال الأحمد – كاتبة

القبس الإلكتروني – 25 أبريل 2020


Share on facebook
Share on twitter
Share on linkedin
Share on whatsapp
Share on email

أحدث​ المقالات

الشلل الرقمي وتأثيره عالمياً

أصبحت التكنولوجيا الرقمية وما يرتبط بها من وسائل التواصل الاجتماعي والهواتف الذكية والمواقع الإلكترونية جزءاً هاماً من حياتنا اليومية ولا يمكن الاستغناء عنها، فجميعنا يتفقد

تفاصيل »

الذكاء الاصطناعي.. ثورة أم تهديد؟

يُعدُّ الذَّكاءُ الاصطناعيُّ، أداةً ثوريَّةً ستُحدِثُ تحوُّلًا هائلًا في كافَّةِ المجالاتِ، خاصَّةً الصناعةَ، فخلالِ السنواتِ القليلةِ المقبلةِ سيتغيَّرُ القطاعُ الصناعيُّ بشكلٍ جذريٍّ، وستحلُّ الربوتاتُ مكانَ

تفاصيل »