أخلاقيات القيادات والحكومات في إدارة أزمة كورونا

تفاوتت دول العالم في تعاملها مع أزمة فيروس كورونا المستجد (COVID-19)، فكان منها الأخلاقي الإنساني وغير الأخلاقي المعتمد على حسابات التكاليف التي تتكبدها الدولة في مكافحة ورعاية المصابين في تلك الدول التي تتعرض للوباء.

المثير للجدل والتساؤل أن الدول الصناعية المتقدمة تنظر لتكاليف العلاج على أنها إرهاق للاقتصاد في عدة نواحٍ، منها تكاليف العلاج وتعليق العمل وتراجع النمو ونمو البطالة ما جعل الجائحة تنتشر في تلك الدول بشكل سريع، مما أدى إلى وفاة نسبة كبيرة من المصابين كما حدث في الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة وإيطاليا وفرنسا وإسبانيا وألمانيا، ناهيك عن الصين التي تأخرت كثيراً في تزويد منظمة الصحة العالمية بالمعلومات الكافية في الوقت المناسب بخصوص عدد المصابين والوفيات.

أستطيع أن أصنف إدارة الأزمة إلى صنفين إدارة أخلاقية وإدارة غير أخلاقية. الإدارة الأخلاقية لم تفرق بين المصابين من حيث العمر، بل تعاملت مع جميع الأعمار بعدالة وشفافية وموضوعية لأن جميع المواطنين يستحقون الرعاية الكاملة بلا تفرقة. إضافة إلى ذلك أرى أن الدولة الأخلاقية لم تفرق بين المواطن والوافد بالرعاية الصحية فيما يتعلق بالجائحة فقد تم الاهتمام بالمواطن والوافد على حد سواء، بغض النظر عن مشروعية الإقامة أو عدمها. وتعد المملكة راعية للمواطن والوافد من منطلق أخلاقي وإنساني ليس فيه ما ينقص الوافد حقه في الرعاية الصحية، حيث أعلنت الحكومة للوافدين الذين ليس لديهم دخول وإقامة مشروعة بالتقدم للجهات المعنية للفحص من الفيروس وتلقي الرعاية من غير مساءلة نظامية. الحقيقة أن المملكة تميزت على الدول المتقدمة في تقديم الرعاية الصحية لمواطنيها والمقيمين على أراضيها مجانا ًدون النظر إلى تكاليف الرعاية الصحية بخصوص أزمة كورونا المستجد. ولقد أشاد بهذه الرعاية المتميزة عدد من قيادات العالم وأثنى عليها المقيمون، بل والمواطنون في الدول الصناعية المتقدمة، فقد شاهدنا العديد من المقاطع في قنوات التواصل الاجتماعي التي تشيد بما تقدمه المملكة من رعاية واهتمام بمواطنيها ومقيميها.

أما الدول التي تعاملت مع مواطنيها والمقيمين على أراضيها من وجهة نظر التكلفة الاقتصادية فإنها تعتبر قاصرة في الناحية الأخلاقية، حيث أعطيت أولوية الرعاية الصحية في أزمة كورونا في بعض الدول الأوروبية المتقدمة لصغار السن، واستبعد من ذلك كبار السن على أساس العمر وما تتوقع منهم تلك الدول من منفعة اقتصادية مستقبلية. وتعد إيطاليا من الدول التي اتبعت هذه السياسة غير الأخلاقية. وبتحليل بسيط نرى أن التفسير السلوكي لصناع القرار الصحي في تلك الدول، يشير إلى عدم أهمية كبار السن في العملية الاقتصادية وأنهم أصبحوا تكلفة على الاقتصاد. وهذه السلوكيات غير الأخلاقية لا يمكن تفسيرها بندرة الموارد المالية إنما بالمنفعة الاقتصادية لكل من صغار السن وكباره. بلا شك هذه نظرة غير أخلاقية وغير إنسانية في التعامل مع الإنسان من هذا المنطلق الذي يفرق بين الناس على أساس أعمارهم ومنفعتهم الاقتصادية.

وفي الختام لا بد من التعامل الإنساني والأخلاقي في تقديم الرعاية الصحية للمقيمين والمواطنين على حد سواء عندما يكون هناك أزمة وبائية تجتاح العالم. كشفت أزمة كورونا المستجد تفاوت أخلاقيات قادات الدول وحكوماتها من حيث التعامل الأخلاقي مع الأزمات العالمية.

د. عبدالوهاب القحطاني – أستاذ الإدارة الإستراتيجية وتنمية الموارد البشرية بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن

جريدة اليوم – 23 إبريل 2020

Share on facebook
Share on twitter
Share on linkedin
Share on whatsapp
Share on email

أحدث​ المقالات

الشلل الرقمي وتأثيره عالمياً

أصبحت التكنولوجيا الرقمية وما يرتبط بها من وسائل التواصل الاجتماعي والهواتف الذكية والمواقع الإلكترونية جزءاً هاماً من حياتنا اليومية ولا يمكن الاستغناء عنها، فجميعنا يتفقد

تفاصيل »

الذكاء الاصطناعي.. ثورة أم تهديد؟

يُعدُّ الذَّكاءُ الاصطناعيُّ، أداةً ثوريَّةً ستُحدِثُ تحوُّلًا هائلًا في كافَّةِ المجالاتِ، خاصَّةً الصناعةَ، فخلالِ السنواتِ القليلةِ المقبلةِ سيتغيَّرُ القطاعُ الصناعيُّ بشكلٍ جذريٍّ، وستحلُّ الربوتاتُ مكانَ

تفاصيل »