القطاع الخاص والتحجيم الصحيح بسبب الأزمة

بالرغم من خبرات إدارة الأزمات التي تتمتع بها العديد من الشركات بمختلف أحجامها إلا أنها تشترك اليوم في تحديات كبيرة لتسيير أعمالها في ظل أزمة فيروس كورونا «حمانا الله وإياكم منه»، والدليل على ذلك ما نشاهده اليوم من تغيير كبير وسريع في العديد من العادات السائدة، خاصة فيما يتعلق بأنظمة العمل والحياة المهنية، وفي هذا المقال سأذكر من وجهة نظري الشخصية التحجيم الذي من المهم أن تعمل عليه منشآت القطاع الخاص بسبب تلك الأزمة غير المسبوقة.

في ظل هذه الأزمة نجد أن العين تنصب بشكل أكبر على رؤساء وموظفي أقسام الموارد البشرية، بالإضافة للإدارة المالية في القطاع الخاص، وكوجهة نظر شخصية لا يملك أحد منهم الحلول لتجاوز تلك الأزمة، ولا أعتقد أن أي شخص يملك الحلول لذلك؛ لأن الأزمة لم تتضح نهايتها وآثارها حتى الآن حتى يتم وضع الحلول، وما نراه اليوم داخل منشآت القطاع الخاص هو مجرد إجراءات تعايشية للواقع غير المستقر وغير المتوقع والذي يزداد تعقيده يومًا بعد يوم، وباعتقادي الشخصي لن يصمد الجميع في مواجهة تلك الأزمة إلا إذا كان منفتحًا على إجراءات تعايشية مرنة، ومستعدًا للتأقلم مع كل تغيير قد يحدث خلال الأيام القادمة والتي لا نعلم مدى استمرارها.

بعد تجاوز تلك الأزمة ستدخل منشآت القطاع الخاص المتضررة مرحلة ليست بسهلة للتعافي، وتختلف مدة تلك المرحلة وفقًا لنشاط المنشأة، ولكن كتصور شخصي أرى أن المنشآت بحاجة «كمعدل» لفترة 3-4 أشهر مقابل كل شهر توقف مرّ عليها من خلال تلك الأزمة حتى تستعيد جزءًا من عافيتها، وهذا التصور ليس تشاؤمًا كما يظن البعض، فالمرحلة القادمة بعد تجاوز تلك الأزمة ستشهد تغيّرات داخلية، وستنشغل المنشآت في إعادة هيكلتها وترتيب «البيت الداخلي» كأساس للاستمرارية، وتلك الفترة تحتاج لعدة أشهر حتى تظهر آثارها.

سيكون هناك تغيير كبير في طرق العمل السائدة بالفترة الماضية، وبلا شك ستكون هناك إعادة تقييم للهيكلة الداخلية للمنشآت مما يعني دمجًا وإلغاءً لبعض الإدارات؛ مما ينتج عن ذلك تغيير في أعداد الموظفين، والتغيير هنا لا يعني النظر فقط لتقليص أعداد الموظفين، وقد تكون الحاجة في بعض الأنشطة لزيادة عدد الموظفين، بمعنى آخر الوصول لمرحلة «Right Sizing» للمنشآت، وهذا يعتمد على توجّه المنشآت مع مراعاة جوانب عديدة من أهمها «الفرص المتاحة للمنشأة» و«تكاليف التشغيل».

العبرة ليست بالكم الذي تمتلكه منشآت القطاع الخاص، العبرة ستكون بكيفية توظيفه والتصرف فيه، وستشهد المرحلة القادمة تطبيق عدة إستراتيجيات من أهمها «التخفيض الاستباقي» والذي يُعرَف بـ «Proactive Downsizing» وهي إستراتيجية يتم تنفيذها لزيادة الميزة التنافسية على المدى الطويل من خلال التخفيض أو التقليص أو التحجيم، وتهدف إلى تحسين الكفاءة والاستفادة من التكنولوجيا الجديدة، وتغيير مهارات القوى العاملة، وسينشط تطبيق تلك الإستراتيجية عند عمليات الاستحواذ والدمج والتي في اعتقادي سنراها بشكل لافت في الفترة القادمة، وإضافة لذلك سنرى تطبيقًا لإستراتيجية «رد الفعل التقليصي» والذي يُعرف بـ «Reactive Downsizing» وهي إستراتيجية لأحد أشكال عملية تقليص حجم المنشآت من خلال تقليص أعداد الموظفين أو الأقسام لإيجاد طرق لتحسين الكفاءة كاستجابة للأزمات المالية والاقتصادية بسبب المتغيّرات في السوق.

التطور التكنولوجي سيلعب دورًا كبيرًا وأساسيًا في المرحلة القادمة، وهذا سيشكّل خطرًا على أعداد الوظائف البشرية لفترات ليست بقليلة، ولا يعني ذلك انعدام للفرص الوظيفية؛ لأنه بالمقابل سيكون هناك نشاط غير مسبوق في التوجه للتعاقد الخارجي «التعهيد» والذي يُعرف بـ «Outsourcing»، وكوجهة نظر شخصية أرى أن هذا التوجّه آتٍ وبشكل قوي، بالرغم من بعض سلبياته وصعوبة التكيّف والتأقلم معه، ولكن مع الخبرة التي ستجنيها منشآت القطاع الخاص من خلال الأزمة الحالية سيكون التكيّف والتأقلم بشكل أسرع مما نتوقع.

ختامًا.. إعادة الهيكلة الداخلية والتحجيم الصحيح للمنشآت أساس من المهم عدم التأخر فيه حتى لا يزداد وضع المنشآت سوءًا.

خالد الشنيبر – كاتب إقتصادي

جريدة اليوم – 13 أبريل 2020


Share on facebook
Share on twitter
Share on linkedin
Share on whatsapp
Share on email

أحدث​ المقالات

الشلل الرقمي وتأثيره عالمياً

أصبحت التكنولوجيا الرقمية وما يرتبط بها من وسائل التواصل الاجتماعي والهواتف الذكية والمواقع الإلكترونية جزءاً هاماً من حياتنا اليومية ولا يمكن الاستغناء عنها، فجميعنا يتفقد

تفاصيل »

الذكاء الاصطناعي.. ثورة أم تهديد؟

يُعدُّ الذَّكاءُ الاصطناعيُّ، أداةً ثوريَّةً ستُحدِثُ تحوُّلًا هائلًا في كافَّةِ المجالاتِ، خاصَّةً الصناعةَ، فخلالِ السنواتِ القليلةِ المقبلةِ سيتغيَّرُ القطاعُ الصناعيُّ بشكلٍ جذريٍّ، وستحلُّ الربوتاتُ مكانَ

تفاصيل »