المسؤولية الوظيفية في الأزمات

لا أعرف إذا كان بالإمكان إطلاق مصطلح «المسؤولية الوظيفية» على ما أرغب في تناوله عبر هذا المقال. إنما القصد منه الإشارة إلى أنّ شرف المهنة يتطلب امتثال المسؤول، أياً تكن مرتبته الوظيفية، لضوابط العمل كافة، وقيم المهنة، والارتقاء بالأداء لما تصبو إليه قيادة هذا الوطن العظيم.

وبلا ريب أنّ بيئة العمل تقتضي من المسؤول التعاون مع فريق العمل المحيط به بروح المسؤولية والشفافية والمصداقية، وأن يُنمّي روح الإبداع والابتكار ويحفّز القدرات؛ بحيث يكون القدوة الحسنة التي يُنظر إليها، بتوقير، في العمل. إنّ سلوك وتصرفات المسؤول الشخصية والمهنية هي التي تجعله في مصاف أولئك الذين يتميزون عن غيرهم قيمة وأداءً.

أضف إلى ذلك، أنّ أي تقييم للموظفين لا بد أن يمتثل للمعايير المهنية ومقاييس الأداء المعروفة، بعيداً عن المحاباة الإقليمية، أو أية اعتبارات أخرى؛ لأنّ في ذلك ظلماً، قبل أن يكون مخالفة إدارية، فنحن ندرك أنّ أي مسؤول في هذا الوطن الكبير يأتي في سلّم أولوياته، أثناء عمله، مخافة الله، وهؤلاء ولله الحمد كثرٌ في بلدنا الأمين.

ولعل من موجبات المسؤولية الوظيفية التقيّد بالمهام الموكلة للمسؤول، والالتزام بالمعايير القانونية والأخلاقية المهنية، كما أنّ التواضع شيمة من شيم الرجال المخلصين الأوفياء، وامتثال خلّاق لتوجيهات ولاة الأمر، حفظهم الله، حيث يحرصون كلَّ الحرص، على أن تبقى أبوابهم ومجالسهم وقلوبهم مفتوحة للمواطنين كافة.

من الجميل أن يُدرك المسؤول أنه مكلّف بالعمل، وأنه ليس شخصية استثنائية، وأنه يمكن الاستغناء عنه في العمل الحكومي وغير الحكومي؛ فهناك الكثير من أبناء هذا الوطن الذين يعملون دون كلل أو ملل في السفارات في الخارج لخدمة المواطنين، خصوصاً أثناء الأزمات وهي محك الرجال.

ونرى هؤلاء الصناديد في الداخل، على مستوى الوزراء والمسؤولين ممن تفانوا في تحمل المسؤولية بكل تبعاتها، ويمكن الإضاءة، هاهنا، على وزير الصحة توفيق الربيعة؛ هذا الرجل الذي شمّر عن ساعديه، وكشف عن رأسه، وعمل جنباً إلى جنب مع زملائه، وهناك أيضاً وزير التجارة ماجد القصبي الذي ما فتئ مراقباً وملاحظاً لكل ما يجري من أمور، ولا تفلت منه شاردة ولا واردة، فتارة تجده متحدثاً يطمئن الناس، وتارة متجولاً في الأسواق يراقب تواريخ السلع ويقلّب أسعارها. مثل هؤلاء الرجال مفخرة للوطن، ومثال يحتذى به في الإدارة المبدعة.

إنّ الرسالة التي يوجهها هذان الوزيران الأكرمان، بكل شفافية، هي أن نكون عند حسن ظن ولي العهد الذي يتابع كل التفاصيل؛ صغيرها وكبيرها، وعلى الصعد كافة، وفق توجيهات سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله-.

المسؤول، الذي يتحمّل أعباء المسؤولية وتكون قراراته متّسقة مع العدل والمساواة والشفافية والتواضع ونبذ الفساد، يضرب أجمل الأمثلة في تصرفاته وسلوكياته، دون الالتفات لما يُثار من غبار حوله، إذ يعلم الكل مقولة «رضا الناس غاية لا تدرك»، كما يعلمون أنّ هناك مَن يحاول الافتئات والافتراء ووضع العصيّ في الدواليب.

وعلى المسؤول أن يثق بنفسه، ويعمل من وحي ضميره، فلا يأبه بهؤلاء، ومَن هم على شاكلتهم، وينصرف لمهام عمله بتفانٍ، واضعاً الله نصب عينيه، وأن تكون النزاهة الشخصية والضوابط المهنية والأخلاقية هي ما يحتكم إليه، ويصدر عنه، ويتخذه بوصلة وخريطة.

عبدالرحمن الجديع – كاتب سعودي

صحيفة عكاظ – 10 أبريل 2020


Share on facebook
Share on twitter
Share on linkedin
Share on whatsapp
Share on email

أحدث​ المقالات

الشلل الرقمي وتأثيره عالمياً

أصبحت التكنولوجيا الرقمية وما يرتبط بها من وسائل التواصل الاجتماعي والهواتف الذكية والمواقع الإلكترونية جزءاً هاماً من حياتنا اليومية ولا يمكن الاستغناء عنها، فجميعنا يتفقد

تفاصيل »

الذكاء الاصطناعي.. ثورة أم تهديد؟

يُعدُّ الذَّكاءُ الاصطناعيُّ، أداةً ثوريَّةً ستُحدِثُ تحوُّلًا هائلًا في كافَّةِ المجالاتِ، خاصَّةً الصناعةَ، فخلالِ السنواتِ القليلةِ المقبلةِ سيتغيَّرُ القطاعُ الصناعيُّ بشكلٍ جذريٍّ، وستحلُّ الربوتاتُ مكانَ

تفاصيل »