الغرف التجارية والمجتمع

ظهرت الغرف التجارية الصناعية في العالم كمؤسسات خدمية تهدف إلى نوع من التضامن التجاري بين رجال الأعمال، بغرض تنظيم أعمالهم والحفاظ على مصالحهم وحقوقهم، والسعي لطرح الخطط والفرص التجارية ليستفيد منها منسوبوها، والتواصل مع السلطات الرسمية لبحث مصالح العمل والتجارة، والمساهمة في تحقيق تنمية مستدامة للمجتمع، إضافة إلى ذلك؛ يكون للغرف أدوار مهمة وملموسة في فض النزاع التجاري بين الأعضاء، واهتمامها بمنسوبيها وتزويدهم بالمعلومات التي يحتاجونها لتأدية أعمالهم وتبصيرهم بالأسس الصحيحة لتعاملاتهم، وتقديم النصح لهم بشأن إيجاد نوع من التكامل فيما بينهم بما يسهم في خفض كلفة الإنتاج ويحقق وفراً في رأس المال العامل.

كلها وظائف تضطلع بها الغرف التجارية الصناعية التي إذا ما تمكنت من أداء هذا الدور وحققت مصلحة منسوبيها في شتى أنشطتهم؛ تسهم في تنشيط الحركة الاقتصادية وبالتالي في تحسين أداء الاقتصاد الوطني وجودته، وقد تطور مفهوم الغرف في عالم اليوم وباتت تسهم في خدمة المجتمع وتطوير نشاطاته الاقتصادية والمالية على وجه الخصوص وتبني ثقافة المسؤولية الاجتماعية لدى قطاع الأعمال، والمشاركة في التنمية الاجتماعية.

ولكن الملاحظ أن هنالك تداخلاً بين مفهومي المسؤولية الاجتماعية للشركات، وبين مفهوم العمل الخيري، فقد يختلفان في المضمون ويتفقان في الشكليات الظاهرة، ولكن المسؤولية الاجتماعية بصفة عامة هي عملية تواصل بين المنشأة والمجتمع المحيط لضمان تطور المجتمع ونشاط الشركة معاً، وبناء على ذلك ينبغي تعزيز وعي القطاع الخاص، وتغيير الصورة النمطية السائدة، واطلاعهم على الممارسات الصحيحة للمسؤولية المجتمعية، عبر تخصيص جزء من مواردها للاستثمار في هذا المجال؛ لزيادة ربحيّتها، فقد أثبتت الأبحاث أن المؤسسات الحكومية خاصة تميل إلى اختيار الشركات ذات الأداء المجتمعي الأعلى لاستثمار أموالها فيها عند تعادل العوامل الأخرى، إضافة لتأثيراتها الإيجابية في عمل الشركة ونشاطها وسمعتها في السوق.

لذلك يكمن الدور الجديد للغرف التجارية في توضيح طبيعة الشراكة الحقيقية والفاعلة بين مؤسسات القطاع الحكومي الرسمي وشركات القطاع الخاص؛ عبر رؤية طويلة الأجل لتعميق ثقافة العمل الاجتماعي الإنمائي، فلا بد أن يكون هنالك حلقة مشتركة منظمة لتعزيز التواصل والشراكات بين قيادات القطاع الخاص والعام من جهة، وقيادات القطاع البحثي والتنموي من جهة أخرى؛ لتبادل المعلومات والخبرات والاتفاق على الأولويات، عبر توجيه الاستثمارات المشتركة بينهما على المدى القصير والمتوسط والبعيد، والبحث عن مبادرات ومشروعات نوعيّة تلبي الاحتياج الحالي للمجتمع.

مفهوم المسؤولية المجتمعية للشركات لم يعد محصوراً ببرامج الرعاية التي تقوم بها من وقت لآخر، والتي يخصص لها جزء من ميزانياتها ليندرج تحت أولويات العمل الخيري على شكل هبات وتبرعات بمفهومها الضيق، إنما هو بمثابة شراكة حقيقية يتم بموجبها توجيه ذلك الجزء الذي تقتطعه تلك الشركات من ميزانياتها نحو الجهات القائمة على البحث العلمي البناء والمشروعات التطويرية والتنموية التي تعود بالمنفعة الحالية والمستقبلية على المجتمع.

محمد الحمزة – مستشار في مركز بصمات للارشاد والتدريب

جريدة الرياض – الخميس 13 فبراير 2020


Share on facebook
Share on twitter
Share on linkedin
Share on whatsapp
Share on email

أحدث​ المقالات

الشلل الرقمي وتأثيره عالمياً

أصبحت التكنولوجيا الرقمية وما يرتبط بها من وسائل التواصل الاجتماعي والهواتف الذكية والمواقع الإلكترونية جزءاً هاماً من حياتنا اليومية ولا يمكن الاستغناء عنها، فجميعنا يتفقد

تفاصيل »

الذكاء الاصطناعي.. ثورة أم تهديد؟

يُعدُّ الذَّكاءُ الاصطناعيُّ، أداةً ثوريَّةً ستُحدِثُ تحوُّلًا هائلًا في كافَّةِ المجالاتِ، خاصَّةً الصناعةَ، فخلالِ السنواتِ القليلةِ المقبلةِ سيتغيَّرُ القطاعُ الصناعيُّ بشكلٍ جذريٍّ، وستحلُّ الربوتاتُ مكانَ

تفاصيل »