الاقتصاد هو.. كيف نفكر؟

إن الاقتصاد هو كيف نفكر وليس ماذا نفكر فيه؟ حيث ينظر الاقتصاديون إلى العالم من خلال نافذة لا تشبه نافذة علماء الأحياء أو العلماء الآخرين، وذلك بتحليل القضايا من خلال النظريات الاقتصادية التي تستند إلى افتراضات معينة تعكس السلوك البشري، وتختلف عن الافتراضات التي قد يستخدمها علماء النفس أو الأنثروبولوجيا، حيث تمثل النظريات الاقتصادية المبسطة كيفية تفاعل متغيرين أو أكثر مع بعضهما البعض والنتائج المتوقعة. أنها طريقة التفكير الاقتصادية التي تقارن بين الخيارات الاقتصادية واختار منها الذي يعظم الفائدة القصوى لاستخدام الموارد المتاحة.

وأوضح جون كينز أحد أعظم اقتصاديي القرن العشرين، أن الاقتصاد ليس فقط مجرد مجال الموضوع ولكنه أيضاً طريقة للتفكير. كما أكد أن (الاقتصاد منهجية بدلاً من عقيدة، وعضو من العقل، وأسلوب تفكير، ويساعد الباحث على استخلاص الاستنتاجات الصحيحة). وهذا التفكير الاقتصادي هو محور صنع القرارات للأفراد والشركات وصانعي السياسات، حيث يدرس كيف يختار الناس بين الاختيارات المتاحة في ظل ندرة الموارد وتنوع نظم الإنتاج والاستهلاك والتوزيع، وكذلك كيف تؤثر السياسات والإجراءات الحكومية على مخرجات السوق.

وبهذا يسعى اقتصاديون دائماً إلى تحديد الغرض من النظرية بدراسة القضايا المعقدة والحقيقية ثم تبسيطها استناداً إلى أساسياتها، مما يمكنهم من فهم هذه القضايا وأية مشكلات مرتبطة بها. فالنظرية الجيدة هي النظرية المبسطة بما يكفي لفهمها، في حين أنها معقدة بما يكفي لالتقاط السمات الرئيسة للقضية تحت الدراسة. وفي بعض الأحيان يستعمل الاقتصاديون نموذجاً ما بدلاً من النظرية، ولكي نكون أكثر دقة، فإن النظرية هي تمثيل أكثر تجريداً، في حين أن النموذج أكثر تطبيقاً أو تمثيلاً تجريبياً ويستخدم لاختبار هذه النظريات.

ويحمل الاقتصاديون في رؤوسهم مجموعة من النظريات مثل النجار الذي يحمل مجموعة من أدواته، فعندما يرون مشكلة اقتصادية، يختارون واحدة من النظريات التي تناسب المشكلة، تمهيداً لاختبارها باستخدام النماذج الاقتصادية الرياضية التي تحدد تفاعل المتغيرات المتغيرة مع المتغيرات المستقلة وانعكاساتها على المشكلة على المديين القصير والطويل.

إذاً الاقتصادي ليس من يتحدث عن المصطلحات الاقتصادية أو ما يكتبه الغير، بل هو من يفكر من خلال النظريات الاقتصادية ويضع الفرضيات ويستخدم النماذج الرياضية لاختبارها واستخلاص النتائج، وفي أبسط الحالات، فإن تفكيره يعني تقييم الحقائق دون السماح للرأي أو المغالطات بالدخول في الحساب. أنه يدرس الخيارات التي يتخذها البشر فيما يتعلق بالموارد الشحيحة، وهو يدرك جيداً أن حجر الأساس في الاقتصاد يكمن في مفهومين أساسيين هما: الندرة والاختيار الذي يعظم إشباع الرغبات.

د. فهد بن جمعة – عضو جمعية اقتصاديات الطاقة الدولية

جريدة الرياض – الثلاثاء 28 يناير 2020


Share on facebook
Share on twitter
Share on linkedin
Share on whatsapp
Share on email

أحدث​ المقالات

الشلل الرقمي وتأثيره عالمياً

أصبحت التكنولوجيا الرقمية وما يرتبط بها من وسائل التواصل الاجتماعي والهواتف الذكية والمواقع الإلكترونية جزءاً هاماً من حياتنا اليومية ولا يمكن الاستغناء عنها، فجميعنا يتفقد

تفاصيل »

الذكاء الاصطناعي.. ثورة أم تهديد؟

يُعدُّ الذَّكاءُ الاصطناعيُّ، أداةً ثوريَّةً ستُحدِثُ تحوُّلًا هائلًا في كافَّةِ المجالاتِ، خاصَّةً الصناعةَ، فخلالِ السنواتِ القليلةِ المقبلةِ سيتغيَّرُ القطاعُ الصناعيُّ بشكلٍ جذريٍّ، وستحلُّ الربوتاتُ مكانَ

تفاصيل »