حلول ائتمانية لاستقرار اقتصادي

قطاعان كان يعول عليهما في خلق قاعدة اقتصادية صلبة وقادت إلى اقتصادات متقدمة هما قطاع الصناعة وقطاع المشاريع الصغيرة والمتوسطة، الرابط بين كلا القطاعين هو التمويل المجزي والتسهيلات المعتمدة، الأمر ينبع من الثقة، والثقة تأتي من التحفيز والاهتمام.

الصناعة اليوم ليست كالسابق، إذ نجحت أسواق كالصين والهند في استنهاض قطاع الصناعة فيها، فالصين التي استفادت كثيرا من الصناعات وإقامة المصانع على أراضيها هي في بحث مستمر عن أسواق استهلاكية للترويج عنها، ومن هذا المنطلق ركزت الصين على لوجستياتها بطريقة ناجحة، بنت الشوارع ورصفتها بعد أن حولت أراضي بور نائية لمدن صناعية، ووفرت فيها الكهرباء اللازمة والمياه وعبدت لها الطرق ووفرت فيها المواصلات والسكن، ها هي اليوم تصبح رائدة في صنع مدنها الصناعية وأسواقها التجارية خارج ديارها ولدينا العديد منها في منطقة الخليج.

الهند التي تراقب جارتها بعين الراصد، تستغل فرصة انحسار المودة بين الصين وأمريكا وانعكاسات الأزمة في الداخل الصيني، وتعلن فتح ديارها للمصانع الكبيرة بالذات الصينية وتوفر الأيدي العاملة الرخيصة، وها هي تصلح بنيتها التحتية المتهالكة التي كانت سببا في ابتعاد المستثمرين الأجانب عن السوق الهندية في السابق.

ليس هذا وحسب، فالبنى التحتية الهامة كالشوارع الجديدة والسريعة وتوفير كافة التسهيلات الحكومية، وتوافر الأيدي العاملة الرخيصة ليست هي كل ما يلزم قطاع الصناعة، بل هناك قطاع الائتمان المصرفي وعمليات الاقتراض والتسليف التي تأتي من قطاع مالي مزدهر على الأغلب، فالقطاع المالي هو أهم الداعمين للقطاعين «الصناعة والمشاريع الصغيرة والمتوسطة» ولا يمكن أن يزدهر أحد القطاعين بلا تسهيلات مصرفية وائتمانية على الإطلاق.

اليوم في ظل انتشار ثقافة «الشمولية المالية» نحن أولى أن نسعى لتطبيقها، فمن ناحية الثقة ليست بجيدة في هذا الأمر بين المؤسسات المالية والأفراد، ومن ناحية أخرى الثقة للفرد ذاته التي تشجعه على إقامة مشروعه الخاص تحتاج الكثير.

الاستقرار الاقتصادي والقطاع المالي هما كالبيضة لا تعرف أيهما البداية، فكلاهما يعول على الآخر في نجاحه، لذا فإن القطاع المالي له دور كبير في الاستقرار الاقتصادي وعملية التنمية التي تؤدي إلى الاستقرار. كما يحتاج قطاع المال للاستقرار ليدفع بأنشطته إلى الربح.

إيجاد الحلول المالية تأتي من قدرة المؤسسات المالية على طرحها، وهذه الأخيرة لا يمكن أن تتقن عملها من غير «ثقة»، وهي بوجود قاعدة تشريعات وبنية تحتية صالحة وكفاءة بشرية ومنظومة أساسية تغذيها بالذات في ظل تسلل التكنولوجيا المالية لتقضي على تزمت القطاع التقليدي، لذا يحتاج القطاع المالي إلى نظم أكثر شفافية كنظم الحوكمة وبنك معلومات يوضح التاريخ المالي بالضمانات والصعوبات والمتعسرات للفرد والمؤسسة وتشريعات تحميها، هذه الثقة هي ما تشجع المؤسسات المالية على خوض حروبها الائتمانية وتكون قادرة على تأمين التمويل للقطاعات الناشئة.

هناء مكي – كاتبة سعودية

جريدة اليوم – االجمعة 24 يناير 2020

Share on facebook
Share on twitter
Share on linkedin
Share on whatsapp
Share on email

أحدث​ المقالات

الشلل الرقمي وتأثيره عالمياً

أصبحت التكنولوجيا الرقمية وما يرتبط بها من وسائل التواصل الاجتماعي والهواتف الذكية والمواقع الإلكترونية جزءاً هاماً من حياتنا اليومية ولا يمكن الاستغناء عنها، فجميعنا يتفقد

تفاصيل »

الذكاء الاصطناعي.. ثورة أم تهديد؟

يُعدُّ الذَّكاءُ الاصطناعيُّ، أداةً ثوريَّةً ستُحدِثُ تحوُّلًا هائلًا في كافَّةِ المجالاتِ، خاصَّةً الصناعةَ، فخلالِ السنواتِ القليلةِ المقبلةِ سيتغيَّرُ القطاعُ الصناعيُّ بشكلٍ جذريٍّ، وستحلُّ الربوتاتُ مكانَ

تفاصيل »