الشركات العائلية العمود الفقري للاقتصاد

يكثر الحديث عن الشركات العائلية وما دورها في دعم الناتج المحلي الإجمالي، وكذلك الناتج المحلي غير النفطي للمملكة؟ ونظرا لأهميتها فإن هذا يجعلنا نسلط مزيدا من الضوء عليها، لكونها تستحق من الاقتصاديين، ومراكز الأبحاث، تناولها بمزيد من التحليل والتفصيل.

وفي ظل التطور ولغة الأرقام والإحصاءات يمكننا أن نعكس بعض الحقائق التي يتضح من خلالها أهمية وحجم الدور الذي تقوم به الشركات العائلية، اقتصاديا واجتماعيا، فيكفي أنها تمثل أكثر من 90 في المئة من إجمالي عدد الشركات السعودية، وتسهم بنحو 12 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للمملكة، وبأكثر من 40 في المئة من الناتج المحلي غير النفطي للمملكة.

وإذا ما نظرنا على مستوى العالم يتضح لنا أن اقتصادات كبريات الدول تقوم على الشركات العائلية، فعلى سبيل المثال: تشكل الشركات العائلية أكثر من 82 في المئة من إجمالي الشركات العاملة في الاتحاد الأوروبي، إضافة إلى إسهامها بـ70 في المئة من الناتج القومي الأوروبي.

وبالنسبة لدول مجلس التعاون الخليجي فهي بمثابة «العمود الفقري» للاقتصاد، بما حققته من نجاحات اقتصادية طوال العقود السابقة، وذلك لقدرتها على تطوير إستراتيجياتها والمحافظة على نموها على أرض الواقع.

وإذا ما نظرنا إلى حجم استثمارات هذه الشركات في المملكة فهي تقدر بنحو 250 مليار ريال، حيث تشكل بين 60 و70 في المئة من حجم القطاع الخاص في المملكة، وبالتالي فإن حجم هذه الأرقام وأهميتها في دعم الاقتصاد الوطني يحتم علينا دراسة وضع هذه الشركات وتحديد المشاكل التي تواجهها والعمل على طرح حلول لها.

وكما هو معروف: بأن عددا من هذه الشركات لا تتعدى الجيل الثالث وينهار بعضها بسبب الخلافات على الإدارة وعدم مواكبة التطور، وأسباب أخرى قد لا يتسع المقام لسردها، ولكن إذا نظرنا في الجانب الآخر فإن بعضها نجح في الاستمرار وتخطى مرحلة الجيل الثالث بكثير، ولله الحمد.

هذه الشركات التي تعاقبت فيها الأجيال وتغيرت مجالس إداراتها، ونجحت في ذلك، يرجع نجاحها واستمرارها فيما أرى -والله أعلم- إلى المرونة في الإدارة، والتعامل مع الواقع للتغلب على التحديات، بما حقق لها النمو المستدام.

ولعل أبرز الدروس والعِبَر التي يمكن أن نستفيد منها، لتحقيق المرونة والتعامل مع التحديات يكمن في قدرتها على ترتيب العلاقة بين الشركة والعائلة، وإيجاد الموازنة وتنظيم هذه العلاقة بما يخدم مصالح الشركة وملاكها، مما يحتم عليها ضرورة تطبيقها لأنظمة الحوكمة، ونقصد بها حزمة من القوانين والنظم والقرارات التي تساعد هذه الشركات، بصورة عامة، في تحقيق الجودة والتميز في الأداء، وذلك عبر اختيارها الأساليب المناسبة والفعَّالة لتحقيق خططها وأهدافها المستقبلية.

فضلا عن ذلك، فهناك تحدي إنفاذ المقومات المتعلقة بنظام الحوكمة أيضا، فعند تطبيقه بالطريقة الصحيحة سيعمل على تقوية أعمال هذه الشركات، في المدى القصير وكذا المدى الطويل، لأنه يحدد بصورة واضحة المسؤوليات والمهام الموكلة لكل جانب.

تلي ذلك حاجة كثير من هذه الشركات إلى استقطاب مزيد من الكفاءات التي تتمتع بخبرات نوعية تتناسب مع أسلوب ومجال أعمالها، وذلك بهدف الحفاظ على قدرتها على المنافسة، الذي بدوره يمكّنها من ترسيخ إرثها ومكانتها في هذا العصر الرقمي، إضافة إلى حاجة كثير منها أيضا إلى إضفاء طابع مؤسساتي في مختلف مراحل أعمالها.

وبدون شك: فإن هذه الشركات تتميز بقدرتها على التركيز وإيجاد الفرص للاستثمار بشكل طويل الأجل، وكذلك فإن بعضها اهتم وركز على الأهداف غير المالية، وأوجد الآليات المناسبة للتعاون مع الشركات المنافسة، لتحقيق منافع ومكاسب اقتصادية واجتماعية، الأمر الذي مكَّن هذه الشركات من ترسيخ وجودها ونجاحها، ليس في العمل التجاري فحسب، وإنما في خدمة المجتمع أيضا.

وهذه المزايا لا تجعلنا نغفل عن بعض المتطلبات، أو التحديات التي تواجهها هذه الشركات، والتي تتطلب ضرورة التغلب عليها، حتى ترفع من سقف طموحاتها، وتحقق النمو المستدام بالصورة المطلوبة.

ولا أعتقد أن الشركات العائلية تنقصها القدرات اللازمة في التغلب على هذه التحديات، لما تمتلكه من خبرات تراكمية اكتسبتها، عبر إرثها وتاريخها الطويل في سوق العمل، والذي منحها مرونة مناسبة في مواجهة التحديات، والتغلب عليها.

ومن المهم جدا: أن تسهم الشركات العائلية في دفع عجلة الاقتصاد الوطني في السنوات المقبلة -بمشيئة الله تعالى- وقد أولت الدولة رعاية خاصة لتسريع وتيرة مساهمة القطاع الخاص، بما في ذلك الشركات العائلية، في زيادة فاعلية دورها في دعم الاقتصاد الوطني، وذلك من خلال إطلاق عدة مبادرات ضمن برامج رؤية المملكة 2030 التي وضعت القطاع الخاص ونموه ضمن أولوياتها.

ومن الأهمية بمكان أن تكون هناك قنوات واضحة للتخاطب والتواصل على مستوى رفيع بين الجهات الحكومية التي تنظم عمل القطاع الخاص ورجال الأعمال (ممثلي القطاع الخاص)، تتم فيها مناقشة التحديات والعوائق على أرض الواقع، والعمل على تذليلها وإزالتها لتمكين القطاع الخاص من القيام بالدور المنوط به، والعمل على خلق وبناء الشراكة الحقيقية بين القطاع الخاص والعام، لتحقيق التنمية المستدامة والازدهار الاقتصادي للوطن، بمشيئة الله تعالى.

إبراهيم باعشن – كاتب

الوطن أون لاين – السبت 4 يناير


Share on facebook
Share on twitter
Share on linkedin
Share on whatsapp
Share on email

أحدث​ المقالات

الشلل الرقمي وتأثيره عالمياً

أصبحت التكنولوجيا الرقمية وما يرتبط بها من وسائل التواصل الاجتماعي والهواتف الذكية والمواقع الإلكترونية جزءاً هاماً من حياتنا اليومية ولا يمكن الاستغناء عنها، فجميعنا يتفقد

تفاصيل »

الذكاء الاصطناعي.. ثورة أم تهديد؟

يُعدُّ الذَّكاءُ الاصطناعيُّ، أداةً ثوريَّةً ستُحدِثُ تحوُّلًا هائلًا في كافَّةِ المجالاتِ، خاصَّةً الصناعةَ، فخلالِ السنواتِ القليلةِ المقبلةِ سيتغيَّرُ القطاعُ الصناعيُّ بشكلٍ جذريٍّ، وستحلُّ الربوتاتُ مكانَ

تفاصيل »